حدثنا محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن قال : لما حضرت العتبي الوفاة جمع ولده وفيهم عبد الملك بن مروان مسلمة وكان سيدهم فقال : أوصيكم بتقوى الله تعالى فإنها عصمة باقية وجنة واقية ، وهي أحصن كهف وأزين حلية ، وليعطف الكبير منكم على الصغير ، وليعرف الصغير منكم حق الكبير ، مع سلامة الصدور ، والأخذ بجميل الأمور ، وإياكم الفرقة والخلاف فبهما هلك الأولون ، وذل ذوو العزة المعظمون . انظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ومجنكم الذي به تستجنون ، وأكرموا الحجاج فإنه وطأ لكم المنابر وأثبت لكم الملك ، وكونوا بني أم برزة وإلا دبت بينكم العقارب ، كونوا في الحرب أحرارا وللمعروف منارا ، واحلولوا في مرارة ، ولينوا في شدة ، وضعوا الذخائر عند ذوي الحساب والألباب ، فإنه أصون لأحسابهم وأشكر لما يسدى إليهم . ثم أقبل على ابنه الوليد فقال : لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك وتحن حنين الأمة ، ولكن شمر وائتزر والبس جلدة نمر ودلني في حفرتي وخلني وشأني وعليك وشأنك ، ثم ادع الناس إلى البيعة فمن قال هكذا فقل بالسيف هكذا . ثم أرسل إلى عبد الله ابن يزيد بن معاوية وخالد بن أسيد فقال : هل تدريان لم بعثت إليكما؟ قالا : نعم لترينا أثر عافية الله تعالى إياك ، قال : لا ، ولكن قد حضر من الأمر ما تريان ، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء؛ فقالا : لا ، والله ما نرى أحدا أحق بها منه بعدك يا أمير المؤمنين ، وقال : أولى لكما ، أما والله ولو غير ذلك قلتما لضربت الذي فيه أعينكما ، ثم رفع فراشه فإذا السيف مشهور ، ولم يزل بين مقالتين حتى فاظ ، مقالته الأولى :
فهل من خالد إما هلكنا وهل بالموت يا للناس عار
ومقالته الثانية : الحمد لله الذي لا يبالي من أخذ من خلقه أو ترك ، صغيرا أو كبيرا ،[ ص: 454 ] حتى مات ، فسجاه الوليد ، وكان هشام أصغر ولده فقال :
وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
إذا مقرم منا ذرى حد نابه تخمط منا ناب آخر مقرم
لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى على شخصه يوم علي عصيب
فإن تكن الأيام أحسن مرة إلي فقد عادت لهن ذنوب
أتى دون حلو العيش حتى أمره نكوب على آثارهن نكوب
ألقوا الضغائن والتحاسد بينكم عند المغيب وفي الحضور الشهد
بصلاح ذات البين طول بقائكم إن مد في عمري وإن لم يمدد
فلمثل ريب الدهر ألف بينكم بتواصل وتراحم وتودد
وانفوا الضغائن والتخاذل عنكم بتكرم وتوازر وتغمد
حتى تلين جلودكم وقلوبكم لمسود منكم وغير مسود
إن القداح إذا اجتمعن فرامها بالكسر ذو حنق وبطش أيد
عزت فلم تكسر وإن هي بددت فالوهن والتكسير للمتبدد