قال القاضي : الخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر [ ص: 463 ] صحيح ، وقد أتت الرواية به من طرق عدة ، وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نفسه وتسعة معه ، وفي بعضها أنه ذكر من صحابته عشرة ، والأخبار بكل واحد من الوجهين ثابتة . وقول بشهادته للعشرة من أصحابه بالجنة علي بن الجهم في شعره لا واني أتى به على الأصل ، وهذا مما يسوغ للشاعر لإقامة الوزن ، قال الشاعر :
كمشتري بالحمد أحمرة تترى
وقال آخر :
لا بارك الله في الغواني هل يصبحن إلا لهن مطلب
وقوله : كفى رسول الله ما همه العرب تقول : همك ما أهمك أي أذابك ما يعذبك ، ويقال : هممت الشحم أي أذبته ، فكأنه قال : ما كرثه ولذعه بمضضه ، وقوله : يخمسهم يقال : خمست القوم أخمسهم إذا صرت خامسا لهم ، ومثله ثلثتهم أثلثهم وسدستهم أسدسهم ، ومثله ثمنتهم وعشرتهم ، فإذا قلت أخمسهم بالضم فمعنا أخذت خمس أموالهم ، ومثله أثلثهم وأسدسهم وأثمنهم وأعشرهم إذا أخذت هذه الأجزاء منهم ، فإذا قلت : ربعتهم وسبعتهم وتسعتهم قلت في الوجهين أربعهم وأتسعهم ، ففتحت عين الفعل من أجل حرف الحلق . وقوله : ابن أبي طالب ابن أبي طالب وابن عوف بالقطع والألف فيه للوصل لضرورة الشعر وتصحيح الوزن ، وقد أتى مثل هذا كثيرا في أشعار العرب ، وذكرنا منه فيما مضى من كتابنا هذا أبياتا عدة ، من ذلك قول الشاعر :إلا لا أرى إثنين أكرم شيمة على حدثان الدهر مني ومن جمل
فأي امرئ ألشام بيني وبينه أتتني ببشرى برده ورسائله
حدثنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو عثمان عن قال : صعد رجل إلى العتبي في خضراء هشام بن عبد الملك معاوية ، فمثل بين يديه لا يتكلم ، فقال له هشام : ما لك لا تتكلم؟ قال : هيبة الملك وبهر الدرج؛ فلما رجعت نفسه إليه قال له هشام : تكلم وإياك ومدحنا ، فقال : لست أحمدك إنما أحمد الله تعالى فيك . ثم قال : إن إذا أساءوا ، ولم تحمد بأعمالهم فيها إذا أحسنوا ، وإن الدنيا لم تكتم بما فيها فتذم ولكن إنما جهرت به ، فأخذها من أخذها بذلك وهي عليه ، وتركها من تركها لذلك وهي له . وإن الدنيا نادت أهلها بأنها تاركة من أخذها ، ومفارقة من صحبها ، ومخربة عمران من عمرها ، فمن زرع فيها شرورا حصد حزنا ، ومن أبر فيها هوى اجتنى ندامة ، وإنما هي لمن زهد فيها اليوم وأعرض عنها وآثر الحق عليها؛ وأخذها من أخذها بعد البيان منها والإخبار عن نفسها ، فغر نفسه وسماها غرارة ، وكذب نفسه وسماها كذابة ، وزهد فيها [ ص: 464 ] آخرون فصدقوا مقالتها ، ورأوا آثارها في فعلها فأخذوا منها قليلا ، وقدموا فيها كثيرا ، وسلموا من الباطل ، وصارت لهم عونا على الحق في غيرها ، فلم تحمد بإحسان من أحسن فيها وهي له ، وذمت بإساءة من أساء فيها وهي عليه ، فأنت أحق بإساءتك فيها إذ كان الإحسان لك دونها . فأطرق الدنيا ذمت بأعمال العباد هشام يفكر في كلامه وأملس الرجل فلم يره .