الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما بال العرب تطيل كلامها وأنتم تقصرونه

حدثنا يزداد بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو موسى يعني تينة قال: حدثنا العتبي عن أبيه عن أبي خالد عن أبيه قال: وفد محمد بن عطارد بن محمد إلى الحجاج في نيف وسبعين راكبا فاستزارهم عمرو بن عتبة فقال: يا أبا سفيان ما بال العرب تطيل كلامها وتقصرونه معاشر قريش؟  فقال عمرو: بالجندل يرمى الجندل، إن كلامنا كلام يقل لفظه ويكثر معناه، ويكتفى بأولاه ويشتفى بأخراه، ويتحدر تحدر الماء الزلال على الكبد الحرى، ولقد نقص كما نقص غيره بعد أقوام والله أدركتهم كأنما جعلوا لتحسين ما قبحت الدنيا، سهلت لهم ألفاظهم كما سهلت لهم أنفاسهم، فصانوا أعراضهم وابتذلوا أموالهم حتى ما يجد المادح فيهم مزيدا، ولا العائب فيهم مطعنا، فلو احتفلت الدنيا ما تزينت إلا بهم، ولو نطقت ما افتخرت إلا بفعالهم، ولقد كان آل أبي سفيان مع قلتهم كثيرا منه نصيبهم، ولله در مولاهم حيث يقول:


وضع الدهر فيهم شفرتيه فمضى سالما وأضحوا شعوبا

شفرتان والله وضعتا على من كان قبلهم فأفنت أبدانهم وأبقت أخبارهم، فأبقت حسنا في الدنيا ثوابه، وسيئا في الدنيا عقابه وفي الآخرة أسوأ.

قال القاضي: قول عمرو بن عتبة في هذا الخبر من أبلغ كلام وأحسنه، وكأن قوله: فأفنت أبدانهم وأبقت أخبارهم مأخوذ من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خبر كميل بن زياد النخعي وقد ذكر العلماء وفضلهم على المال وشرفهم: مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. على أن فضل كلام أمير المؤمنين عليه السلام وجزالته وبهاءه وطلاوته وظهور تقدمه ومزيته بين، وإن كان هذا وقع لعمرو، لقد امتار علمه من معدن الحكم، واقتبس شريف الفائدة من الإمام الرباني العلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية