الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي كان من المشايخ الكبار ، مجاب الدعوة، يستشفى بقبره  ، يقول البغداديون: قبر معروف ترياق مجرب، وهو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، مات سنة مائتين، وقيل: سنة إحدى ومائتين، وكان أستاذ السري السقطي ، وقد قال له يوما: إذا كانت لك حاجة إلى الله فأقسم عليه بي.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى ، يقول: كان معروف الكرخي أبواه نصرانيان فسلموا معروفا إلى مؤدبهم وهو صبي فكان المؤدب يقول له: قل: ثالث ثلاثة، فيقول: بل هو واحد ، فضربه المعلم يوما ضربا مبرحا ، فهرب معروف فكان أبواه ، يقولان: ليته يرجع إلينا على أي دين يشاء فنوافقه عليه، ثم إنه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا ، ورجع إلى منزله ، ودق الباب ، فقيل: من بالباب؟ فقال: معروف، فقالوا: على أي دين جئت؟ فقال: على الدين الحنيفي ، فأسلم أبواه.

سمعت محمد بن الحسين ، يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا بكر الحربي يقول: سمعت سريا السقطي ، يقول: رأيت معروفا الكرخي في النوم كأنه تحت العرش فيقول الله عز وجل لملائكته: من هذا؟ فيقولون: أنت أعلم يا رب، [ ص: 43 ] فيقول: هذا معروف الكرخي سكر من حبي فلا يفيق إلا بلقائي.

وقال معروف: قال لي بعض أصحاب داود الطائي: إياك أن تترك العمل ، فإن ذلك الذي يقربك إلى رضا مولاك، فقلت: وما ذلك العمل؟ فقال: دوام طاعة ربك وخدمة المسلمين والنصيحة لهم.

سمعت محمد بن الحسين ، يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي ، يقول: سمعت علي بن محمد الدلال يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبي ، يقول: رأيت معروفا الكرخي في النوم بعد موته ، فقلت له: ماذا فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ، فقلت: بزهدك وورعك؟ فقال: لا بقبولي موعظة ابن السماك ولزوم الفقر ومحبتي للفقراء، وموعظة ابن السماك ما قاله معروف كنت مارا بالكوفة ، فوقفت على رجل ، يقال له: ابن السماك وهو يعظ الناس ، فقال في خلال كلامه: من أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة، ومن أقبل على الله بقلبه أقبل الله برحمته إليه، ، وأقبل بجميع وجوه الخلق إليه، ومن كان مرة ومرة، فالله يرحمه وقتا ما ، فوقع كلامه في قلبي ، فأقبلت على الله تعالى ، وتركت جميع ما كنت عليه إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا ، وذكرت هذا الكلام لمولاي، فقال: يكفيك بهذا موعظة إن اتعظت، أخبرني بهذه الحكاية محمد بن الحسين ، قال: سمعت عبد الرحيم بن علي الحافظ ببغداد ، يقول: سمعت محمد بن عمر بن الفضل ، يقول: سمعت علي بن عيسى ، يقول: سمعت سريا السقطي ، يقول: سمعت معروفا ، يقول ذلك، وقيل لمعروف في مرض موته: أوص ، [ ص: 44 ] فقال: إذا مت فتصدقوا بقميصي ، فإني أريد أن أخرج من الدنيا عريانا كما دخلتها عريانا، ومر معروف بسقاء ، يقول: رحم الله من يشرب وكان صائما فتقدم ، فشرب ، فقيل له: ألم تكن صائما؟ ، فقال: بلى ، ولكني رجوت دعاءه. [ ص: 45 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية