فكما أن القبض فوق رتبة الخوف والبسط فوق منزلة الرجاء، فالهيبة أعلى من القبض والأنس أتم من البسط وحق الهيبة الغيبة ، فكل هائب غائب ، ثم الهائبون يتفاوتون في الهيبة على حسب تباينهم في الغيبة فمنهم.. ومنهم، وحق الأنس صحو بحق فكل مستأنس صاح ثم يتباينون حسب تباينهم في الشرب ولهذا قالوا: أدنى محل الأنس أنه لو طرح في لظى لم يتكدر عليه أنسه. الهيبة والأنس وهما فوق القبض والبسط
قال رحمه الله: كنت أسمع الجنيد يقول: يبلغ العبد إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لم يشعر وكان في قلبي منه شيء حتى بان لي أن الأمر كذلك. السري
وحكي عن أبي مقاتل العكي أنه قال: دخلت على وهو ينتف الشعر من حاجبه بمنقاش فقلت: يا سيدي أنت تفعل هذا بنفسك ويعود ألمه إلى قلبي فقال: ويلك الحقيقة ظاهرة لي ولست أطيقها فهو ذا فأنا أدخل الألم على نفسي لعلي أحس به فيستتر عني، فلست أجد الألم وليس يستتر عني وليس لي به طاقة، وحال الهيبة والأنس وإن جلتا فأهل الحقيقة يعدونها نقصا لتضمنهما تغير العبد، فإن أهل التمكين سمت أحوالهم عن التغير وهم محو في وجود العين فلا هيبة لهم ولا أنس ولا علم ولا حس [ ص: 160 ] والحكاية معروفة عن الشبلي أنه قال: تهت في البادية مرة فكنت أقول: أبي سعيد الخراز
أتيه فلا أدري من التيه من أنا سوى ما يقول الناس في وفي جنسي أتيه على جن البلاد وإنسها
فإن لم أجد شخصا أتيه على نفسي
قال فسمعت هاتفا يهتف بي ويقول:
أيا من يرى الأسباب أعلى وجوده ويفرح بالتيه الدني وبالأنس
فلو كنت من أهل الوجود حقيقة لغبت عن الأكوان والعرش والكرسي
وكنت بلا حال مع الله واقفا تصان عن التذكار للجن والإنس
وإنما يرتقي العبد عن هذه الحالة بالوجود .
[ ص: 161 ]