[ ص: 619 ] الشهادتان ( أولها ) أو أول هذه الأركان : ( الركن الأساس الأعظم ) .
الجانب الأقوى وهو بحسب ما يطلق فيه كركن البناء وركن القوم ونحو ذلك ، فمن الأركان ما لا يتم البناء إلا به ، ومنها ما لا يقوم بالكلية إلا به ، وإنما قيل لهذه الخمسة الأمور أركان ودعائم لقوله صلى الله عليه وسلم : " الركن في اللغة " فشبهه بالبنيان المركب على خمس دعائم ، وهذا الركن هو أصل الأركان الباقية ، ولهذا قلنا ( الأساس ) الذي لا يقوم البناء إلا عليه ولا يمكن إلا به ولا يحصل بدونه ( الأعظم ) هذه الصيغة مشعرة بتعظيم بقية الأركان وإنما هذا أعظمها ، فإنها كلها تابعة له ، ولا يدخل العبد في شيء من الشريعة إلا به . بني الإسلام على خمس
( وهو الصراط ) الطريق الواضح ( المستقيم ) الذي لا اعوجاج فيه ولا غبار عليه ، بل هو معتدل جلي نير . ( الأقوم ) أي الأعدل ، من سلكه أوصله إلى جنات النعيم ، ومن انحرف عنه هوى في قعر الجحيم . فإن من لم يثبت عليه في الدنيا لم يثبت على جسر جهنم يوم القيامة ، وذلك الركن المشار إليه هو ( ) هذا من إضافة الشيء إلى نفسه ; أي الركن الذي هو الشهادتان ، وهما شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فلا يدخل العبد في الإسلام إلا بهما ، ولا يخرج منه إلا بمناقضتهما إما بجحود لما دلتا عليه ، أو باستكبار عما استلزمتاه . ولهذا لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شيء قبلهما ، ولم يقبل الله تعالى ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد شيئا دونهما ، فبالشهادة الأولى يعرف المعبود وما يجب له ، وبالثانية يعرف كيف يعبده وبأي طريق يصل إليه ، وكيف يؤمن بالعبادة أحد قبل تعريفه بالمعبود ، وكيف يؤديها من لم يعرف كيف أمر الله أن يعبد ؟ ركن الشهادتين
ففي الشهادة الأولى توحيد المعبود الذي ما خلق الخلق إلا ليعبدوه وحده لا شريك له ، وفي الشهادة الثانية توحيد الطريق الذي لا يوصل إلى الله تعالى إلا [ ص: 620 ] منه ، ولا يقبل دينا ممن ابتغى غيره ورغب عنه ، فإن عبادة الله تعالى التي خلق الخلق لها وقضى عليهم إفراده تعالى بها هي أمر جامع لكل ما يحبه تعالى ويرضاه اعتقادا وقولا وعملا ، ومعرفة محابه تعالى ومرضاته لا تحصل إلا من طريق الشرع الذي أرسل به رسوله وأنزل به كتابه ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) ( آل عمران : 31 ) وقد قدمنا في النوع الثاني من أنواع التوحيد تحقيق الشهادتين وبيان تلازمهما وتوضيح نواقضهما ، وبسطنا الكلام هناك وحررنا من الأدلة ما يغني عن الإعادة هنا .
( فاثبت ) أيها العبد المريد نجاة نفسه من النار والفوز بالجنة على هذا الصراط المستقيم النير الواضح الجلي ، ولا تستوحش من قلة السالكين ، وإياك أن تنحرف عنه فتهلك مع الهالكين ; . فالناجي حينئذ واحد من ألف ، فاغتنم أن تكون من تلك الآحاد ، واحذر أن تغتر بجموع الضلالة فتكون من حطب جهنم وبئس المهاد . فإن الله عز وجل ينادي يوم القيامة : يا آدم . فيقول : لبيك وسعديك ؟ فيقول : أخرج بعث النار . فيقول : من كم ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين
( واعتصم ) أي استمسك ( بالعروة ) أي بالعقد الأوثق في الدين ، والسبب الموصل إلى رب العالمين ( الوثقى ) تأنيث الأوثق ( التي لا تنفصم ) أي لا تنقطع ، وقد تقدم في الكلام على لا إله إلا الله أنها هي العروة الوثقى ، وذلك واضح في قوله تعالى : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) ( البقرة : 256 ) وتقدم أن شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان به هو شرط في الإيمان بالله ، وما كان من شرط في الشهادة الأولى فهو شرط في الثانية .