الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      [ ص: 980 ] الكلام على خصال ست في نفيها إيمان بالقدر .


      لا نوء لا عدوى ولا طير ولا عما قضى الله تعالى حولا     لا غول لا هامة ولا صفر
      كما بذا خبر سيد البشر



      هذان البيتان من تتمة بحث القدر ، فإن نفي هذه الخصال الست وما في معناها إيمان بالقدر وتوكل على خالق الخير والشر الذي بيده النفع والضر ، واعتقاد صحة شيء منها شرك مناف للتوحيد أو لكماله ، مناقض للتوكل على الله - عز وجل - عياذا بالله منه .

      الكلام على النوء .

      فأما النوء فهو من الاعتقاد في النجوم الذي سبق بسط القول في بيان بطلانه ، فإنهم يعتقدون أن لمطالع الكواكب ومغاربها وسيرها وانتقالها واقترانها وافتراقها تأثيرا في هبوب الرياح وسكونها ، وفي مجيء المطر وتأخره ، وفي رخص الأسعار وغلائها وغير ذلك ، فإذا وقع شيء من الحوادث ، نسبوه إلى النجوم فقالوا : هذا بنوء عطارد أو المشتري أو المريخ أو كذا أو كذا .

      ورد الله تعالى ذلك عليهم وأكذبهم بما أنزله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ) ، ( الروم 48 - 50 ) ، وقال تعالى : ( خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزل من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ) ، ( لقمان 10 - 11 ) [ ص: 981 ] وقال تعالى : فلا أقسم بمواقع النجوم . . . إلى قوله تعالى : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) ، ( الواقعة 75 ) .

      وقال الإمام مالك بن أنس في موطئه - رحمه الله تعالى : باب الاستمطار بالنجوم .

      عن صالح بن كيسان ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس ، فقال : أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب .

      ورواه الشيخان من طريقه بلفظه ، وعليه ترجم البخاري - رحمه الله تعالى : باب قول الله تعالى : ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) ، ( الواقعة 82 ) .

      وقال مسلم بن الحجاج - رحمه الله تعالى : حدثنا حرملة بن يحيى وعمر بن سواد العامري ومحمد بن سلمة المرادي ، قال المرادي : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن يونس ، وقال الآخران : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ألم تروا إلى ما قال ربكم ؟ قال : ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين ، يقولون الكواكب وبالكواكب .

      [ ص: 982 ] وحدثني محمد بن سلمة المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، ( ح ) وحدثني عمرو بن سواد ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ، ينزل الله الغيث فيقولون : الكواكب كذا وكذا . وفي حديث المرادي : بكوكب كذا وكذا .

      وحدثني عباس بن عبد العظيم العنبري ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة وهو ابن عمار ، حدثنا أبو زميل قال : حدثنا ابن عباس قال : مطر الناس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة الله ، وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا . قال : فنزلت هذه الآية ( فلا أقسم بمواقع النجوم . . . حتى بلغ : وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) ، ( الواقعة 75 ) .

      وقال الترمذي - رحمه الله تعالى : حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا الحسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) ، ( الواقعة 82 ) قال : شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وبنجم كذا وكذا . هذا حديث حسن غريب . ورواه الإمام أحمد وابن أبي حاتم .

      وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله ليصبح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها ، فيصبح بها قوم [ ص: 983 ] كافرين ، يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا . قال محمد هو ابن إبراهيم : فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب فقال : ونحن قد سمعنا من أبي هريرة .

      وقال - رحمه الله تعالى : حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية - فيما أحسبه أو غيره - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا ومطروا يقول : مطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال - صلى الله عليه وسلم : كذبت ، بل هو رزق الله - عز وجل .

      وقال - رحمه الله تعالى : حدثني أبو صالح الصراري ، حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي ، حدثنا جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما مطر قوم من ليلة إلا أصبح قوم بها كافرين ، ثم قال : ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) ، ( الواقعة 82 ) يقول قائل : مطرنا بنجم كذا وكذا .

      وعن الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - أنه بلغه أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس : مطرنا بنوء الفتح ، ثم يتلو هذه الآية ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ) ، ( فاطر 2 ) .

      وروى ابن جرير بسنده ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ما مطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا ، يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ، وقرأ ابن عباس ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) ، ( الواقعة 82 ) ، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية