الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      [ ص: 501 ] [ الكلام عن الرقى ]


      ثم الرقى من حمة أو عين فإن تكن من خالص الوحيين     فذاك من هدي النبي وشرعته
      وذاك لا اختلاف في سنيته



      ( ثم الرقى ) إذا فعلت ( من حمة ) وهي تطلق على لدغ ذوات السموم كالحية والعقرب وغيرها ( أو عين ) وهي من الإنس كالنفس من الجن ، وهي حق ولها تأثير ، لكن لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل ، وقال الله تعالى : ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) ( القلم : 51 ) الآية . فسره بإصابة العين ابن عباس ومجاهد وغيرهما ، وفي تحقيقها أحاديث ، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق . ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين . وإذا استغسلتم فاغسلوا " .

      وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العين حق " . أخرجاه ، ولأحمد وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العين حق " . ولأحمد عنه أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العين حق ، ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم " . وله عنه رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أصدق الطيرة الفأل ، والعين حق " . وله هو والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أسماء رضي الله عنها [ ص: 502 ] قالت : يا رسول الله ، إن بني جعفر تصيبهم العين ، أفأسترقي لهم ؟ قال : " نعم ، فلو كان يسبق القدر لسبقته العين " . ولأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا هام ، والعين حق ، وأصدق الطيرة الفأل " .

      وله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة ، حتى إذا كانوا بشعب الحرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد ، فنظر إليه عامر بن ربيعة - أخو بني عدي بن كعب - وهو يغتسل فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة . فليط سهل فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : يا رسول الله ، هل لك في سهل ، والله ما يرفع رأسه ولا يفيق . قال : " هل تتهمون فيه من أحد ؟ " قالوا : نظر إليه عامر بن ربيعة . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا ، فتغيظ عليه وقال : " علام يقتل أحدكم أخاه ؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت ؟ " ثم قال له : " اغتسل له " فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ، ثم صب ذلك الماء عليه ، فصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ، ثم يكفأ القدح وراءه ، ففعل ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس .

      وله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل ، قال : فانطلقا يلتمسان الخمر ، قال : فوضع عامر جبة كانت عليه من صوف فنظرت إليه فأصبته بعيني ، فنزل الماء يغتسل ، قال : فسمعت له في [ ص: 503 ] الماء فرقعة فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، قال : فجاء يمشي فخاض الماء ، فكأني أنظر إلى بياض ساقيه ، قال : فضرب صدره بيده ثم قال : " اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها " قال : فقام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأى أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليبرك ، فإن العين حق " .

      وله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا حسد ، والعين حق " وغير ذلك من الأحاديث المصرحة بأن العين حق ، وسنذكر بعضها أيضا في شرعية الرقى منها وغيرها .

      ولنرجع إلى المقصود من شرح المتن : ( فإن تكن ) ; أي الرقى ( من خالص الوحيين ) الكتاب والسنة ، وإضافة خالص إلى الوحيين من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والمعنى من الوحي الخالص بأن لا يدخل فيه غيره من شعوذة المشعبذين ، ولا يكون بغير اللغة العربية ، بل يتلو الآيات على وجهها والأحاديث كما رويت وعلى ما تلقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا همز ولا رمز ، ( فذلك ) ; أي الرقى من الكتاب والسنة هو ( من هدي النبي ) صلى الله عليه وسلم الذي كان عليه هو وأصحابه والتابعون بإحسان ، ( و ) من ( شرعته ) التي جاء بها مؤديا عن الله عز وجل . ( وذاك ) معطوف على ذاك الأول ، والمشار إليه بهما واحد ، ولكن الخبر في الثاني غير الخبر في الأول ، فيكون من عطف الجملة على الجملة ، والخبر ( لا اختلاف في سنيته ) بين أهل العلم إذ قد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره ، فرقاه جبريل عليه السلام ، ورقى هو صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمر بها وأقر عليها . ولنذكر ما تيسر من الأحاديث في ذلك وبالله التوفيق :

      قال البخاري رحمه الله تعالى : باب الرقى بالقرآن والمعوذات ، وذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض [ ص: 504 ] الذي مات فيه بالمعوذات ، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها ، ثم قال : باب الرقى بفاتحة الكتاب ، ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم ، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك ، فقالوا : هل معكم من دواء أو راق ؟ فقالوا : إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا . فجعلوا لهم قطيعا من الشاء ، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ ، فأتوا بالشاء فقالوا : لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألوه فضحك وقال : " وما أدراك أنها رقية ، خذوها واضربوا لي بسهم " . ثم قال : باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم ، وساق فيه بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيه لديغ أو سليم ، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال : هل فيكم من راق ؟ إن في الماء رجلا لديغا ، أو سليما . فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا : أخذت على كتاب الله أجرا ، حتى قدموا المدينة فقالوا : يا رسول الله ، أخذ على كتاب الله أجرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " .

      قلت : وهذا الذي علقه آنفا عن ابن عباس . ثم قال رحمه الله : باب رقية العين ، وذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين . وحديث أم سلمة [ ص: 505 ] رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة ، فقال : " استرقوا لها ، فإن بها النظرة " . وذكر باب " العين حق " ثم قال : باب رقية الحية والعقرب ، وذكر فيه حديث عبد الرحمن بن الأسد عن أبيه قال : سألت عائشة عن الرقية من الحمة فقالت : رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة . ثم قال : باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه إذ قال لثابت : ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى . قال : " اللهم رب الناس ، مذهب الباس ، اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما " .

      وحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول : " اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما " . وحديثها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي يقول : " امسح الباس ، رب الناس ، بيدك الشفاء ، لا كاشف له إلا أنت " . وحديثها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض : " بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا - وفي رواية أخرى : وريقة بعضنا - يشفى سقيمنا بإذن ربنا " . وعن أنس رضي الله عنه قال : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة " . رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه . قال أبو البركات ابن [ ص: 506 ] تيمية : النملة قروح تخرج في الجنب . وعن الشفاء بنت عبد الله قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال : " ألا تعلمين هذه رقية النملة " . الحديث رواه أحمد وأبو داود .

      وعن عوف بن مالك قال : كنا نرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله ، كيف ترى في ذلك ؟ فقال : " اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " . رواه مسلم وأبو داود . وعن جابر رضي الله عنه قال : نهى رسول لله صلى الله عليه وسلم عن الرقى ، فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا : يا رسول الله ، إنها كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب ، وإنك نهيت عن الرقى . قال : " فاعرضوها " . فقال : " ما أرى بأسا ، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " . رواه مسلم .

      وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن . قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا . فقال : " يا عائشة ، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه " الحديث رواه البخاري ومسلم بطوله في مواضع . وعن ابن أبي شيبة عن زيد بن أرقم قال : سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود قال : فاشتكى لذلك أياما . قال : فأتاه جبريل فقال : إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لك عقدا . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فاستخرجها ، فجاء بها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال . ولمسلم عن [ ص: 507 ] أبي سعيد الخدري أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا محمد ، اشتكيت ؟ قال : نعم . قال بسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك " . وعن بريد بن الحصيب رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا رقية إلا من عين أو حمة " . رواه ابن ماجه هكذا مرفوعا ، ورواه مسلم وغيره موقوفا .


      أما الرقى المجهولة المعاني     فذاك وسواس من الشيطان
      وفيه قد جاء الحديث أنه     شرك بلا مرية فاحذرنه
      إذ كل من يقوله لا يدري     لعله يكون محض الكفر
      أو هو من سحر اليهود مقتبس     على العوام لبسوه فالتبس



      أي أما الرقى التي ليست بعربية الألفاظ ولا مفهومة المعاني ولا مشهورة ولا مأثورة في الشرع البتة ، فليست من الله في شيء ولا من الكتاب والسنة في ظل ولا فيء ، بل هي وسواس من الشيطان أوحاها إلى أوليائه ، كما قال تعالى : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) ( الأنعام : 121 ) وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " وذلك لأن المتكلم به لا يدري أهو من أسماء الله تعالى أو من أسماء الملائكة أو من أسماء الشياطين ، ولا يدري هل فيه كفر أو إيمان ، وهل هو حق أو باطل أو فيه نفع أو ضر أو رقية أو سحر . ولعمر الله لقد انهمك غالب الناس في هذه البلوى غاية الانهماك واستعملوه على أضرب كثيرة وأنواع مختلفة ، فمنه ما يدعون أنه [ ص: 508 ] من القرآن أو من السنة ومن أسماء الله المثبتة فيها ، وأنهم ترجموه هم من عند أنفسهم بالسريانية أو العبرانية أو غيرها وأخرجوه عن اللغة العربية ، ولا أدري إن صدقناهم في دعواهم أهم يعتقدون أنه لا ينفع إذا كان باللغة العربية التي نزل بها القرآن وتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة حتى يترجموه بالأعجمية ، أو أنهم يعتقدون أنه بالأعجمية أنفع منه بالعربية ، أو أنه ينفع بالعربية لشيء وبالأعجمية لغيره ، ولا تصلح إحداهما فيما تصلح فيه الأخرى ، أم ماذا زين لهم الشيطان وسولت لهم أنفسهم ، أم ماذا كانوا يفترون ؟

      ومما يزعمون أنه من أسماء الله تعالى التي ليست في الكتاب ولا في السنة وأنهم علموها من غيرهما ، فمنه ما يدعون أنه دعا به آدم عليه السلام أو نوح أو هود أو غيرهم من الأنبياء ، ومنه ما يقولون أنه ليس إلا في أم الكتاب ، ومنه ما يقولون هو مكتوب في البيت المعمور ، ومنه ما يقولون هو مكتوب على جناح جبريل عليه السلام أو جناح ميكائيل أو جناح إسرافيل أو غيرهم من الملائكة ، أو على باب الجنة أو غير ذلك . وليت شعري متى طالعوا اللوح المحفوظ فاستنسخوه منه ، ومتى رقوا إلى البيت المعمور فقرأوه فيه ، ومتى نشرت لهم الملائكة أجنحتها فرأوه ، ومتى اطلعوا إلى باب الجنة فشاهدوه ، كلما شعوذ مشعبذ وتحذلق متحذلق وأراد الدجل على الناس والتحيل لأخذ أموالهم طلب السبل إلى وجه تلك الحيلة ورام لها أصلا ترجع إليه ، فإن وجد شبهة تروج على ضعفاء العقول وأعمياء البصائر ، وإلا كذب لهم كذبا محضا وقاسمهم بالله إنه لهم لمن الناصحين فيصدقونه لحسن ظنهم به .

      ومنه أسماء يدعونها ، تارة يدعون أنها أسماء الملائكة ، وتارة يزعمون أنها من أسماء الشياطين ، واعتقادهم في هذه الأسماء أنها تخدم هذه السورة أو هذه الآية أو هذا الاسم من أسماء الله تعالى ، فيقولون يا خدام سورة كذا أو آية كذا أو اسم كذا ، يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا أجيبوا ، العجل العجل ونحو ذلك . وما من سورة من القرآن ولا آية منه ولا اسم من أسماء الله يعرفونه إلا وقد انتحلوا له خداما ودعوهم له ، ساء ما يفترون . وتارة يكتبون السورة أو الآية ويكررونها مرات عديدة بهيئات مختلفة ، حتى يجعلون أولها آخرا وآخرها أولا ، وأوسطها أولا في موضع وآخرا في آخر ، وتارة يكتبونها بحروف مقطعة كل حرف على حدته [ ص: 509 ] ويزعمون أن لها بهذه الهيئة خصوصية ليست لغيرها من الهيئات ، ولا أدري من أين أخذوها وعمن نقلوها ، ما هي إلا وساوس شيطانية زخرفوها وخرافات مضلة ألفوها ، وأكاذيب مختلفة لفقوها ، لم ينزل الله بها من سلطان ولا يعرف لها أصل في سنة ولا قرآن ، ولم تنقل عن أحد من أهل الدين والإيمان ، إن هؤلاء إلا كاذبون أفاكون مفترون ، وسيجزون على ما كانوا يعملون .

      وتارة يكتبون رموزا من الأعداد العربية المعروفة من آحاد وعشرات ومئات وألوف وغيرها يزعمون أنها رموز إلى حروف آية أو سورة أو اسم أو شيء مما قدمنا بحساب الحروف الأبجدية المعروفة عند العرب ، وغير ذلك من الخرافات الباطلة والأكاذيب المفتعلة المختلقة ، وغالبها مأخوذ من الأمة الغضبية الذين أخذوا السحر عن الشياطين وتعلموه منهم ، ثم أدخلوا ذلك على أهل الإسلام بصفة أنه من القرآن أو السنة أو أسماء الله تعالى ، وأنهم إنما غيروا ألفاظه وترجموها بغير العربية لمقاصد لا تتم بزعمهم إلا بذلك ، ومنها ما هو من عباد الملائكة والشياطين ونحوهم ، يأخذون أسماءهم ويقولون للجهال هي أسماء الله ليروجوا الشرك بذلك عليهم ، فيدعون غير الله من دونه وهذه مكيدة لم يقدر عليها إبليس إلا بواسطة هؤلاء المضلين ، وهو : ( إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) ( فاطر : 6 ) والله تعالى يقول : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) ( العنكبوت : 51 ) ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) ( النور : 40 ) .

      فتحصل من هذا أن الرقى لا تجوز إلا باجتماع ثلاثة شروط ، فإذا اجتمعت فيها كانت رقية شرعية ، وإن اختل منها شيء كان بضد ذلك :

      الأول : أن تكون من الكتاب والسنة فلا تجوز من غيرهما .

      الشرط الثاني : أن تكون باللغة العربية محفوظة ألفاظها مفهومة معانيها فلا يجوز تغييرها إلى لسان آخر .

      الثالث : أن يعتقد أنها سبب من الأسباب لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل ، فلا يعتقد النفع فيها لذاتها ، بل فعل الراقي السبب والله هو المسبب إذا شاء .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية