[ ص: 621 ] [ الصلاة ]
( وثانيا ) بجميع حقوقها ولوازمها . ( وثالثا تأدية الزكاة ) إعطاؤها على الوجه المشروع ، وقد تقرر اقتران هذين الركنين بالتوحيد وتقديمهما بعده على غيرهما في غير موضع من القرآن أمرا وخبرا ، قال الله تعالى : ( من الأركان الخمسة ( إقامة الصلاة ) هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) ( البقرة : 2 - 3 ) وقال تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( البقرة : 277 ) وقال تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) ( النور : 56 ) وقال تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) ( البينة : 5 ) وقال تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) ( التوبة : 5 ) رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له : " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم . فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب معاذ بن جبل " ، وفي رواية : " وفي حديث " الحديث . فليكن ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل ، فإذا عرفوا الله تعالى فأخبرهم
[ ص: 622 ] ولنذكر طرفا من النصوص المتعلقة بالصلاة على انفرادها ، ثم نذكر ما تيسر من نصوص الزكاة والله المستعان .
[ ] اعلم - هدانا الله وإياك - أن الصلاة قد اشتملت على جل أنواع العبادة من الاعتقاد بالقلب والانقياد والإخلاص والمحبة والخشوع والخضوع والمشاهدة والمراقبة والإقبال على الله عز وجل وإسلام الوجه له والصمود إليه والاطراح بين يديه ، وعلى أقوال اللسان وأعماله من الشهادتين وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتقديس والتمجيد والتهليل والتكبير والأدعية والتعوذ والاستغفار والاستغاثة والاستعانة والافتقار إلى الله تعالى والثناء عليه والاعتذار من الذنب إليه والإقرار بالنعم له وسائر أنواع الذكر . وعلى عمل الجوارح من الركوع والسجود والقيام والاعتدال والخفض والرفع وغير ذلك . هذا مع ما تضمنته من الشرائط والفضائل - منها الطهارة الحسية من الأحداث والأنجاس الحسية ، والمعنوية من الإشراك والفحشاء والمنكر وسائر الأرجاس - وإسباغ الوضوء على المكاره ونقل الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، وغير ذلك مما لم يجتمع في غيرها من العبادات . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فضل الصلاة " ولاشتمالها على معاني الإيمان سماها الله إيمانا في قوله عز وجل : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة وما كان الله ليضيع إيمانكم ) ( البقرة : 143 ) .
وهي ثانية أركان الإسلام في الفرضية ، فإنها لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم قبلها إلى شيء غير التوحيد الذي هو الركن الأول ، ففرضت خمسين ، ثم خففها الله عز وجل إلى خمس كما تواترت النصوص بذلك في الصحيحين وغيرهما . وهي ثانية في الذكر ، فما ذكرت [ ص: 623 ] شرائع الإسلام في آية من الآيات أو حديث من السنة إلا وبدئ بها بعد التوحيد قبل غيرها كما في الآيات السابقة وكما في حديث فرضت في ليلة المعراج بعد عشر من البعثة جبريل وحديث " " وحديث بني الإسلام وفد عبد القيس وحديث وحديث " معاذ بن جبل " وغيرها مما لا يحصى . أمرت أن أقاتل الناس
وهي ثانية في آيات الأمر بالجهاد وفي آيات وعيد الكفار كما في قوله تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة ) ( التوبة : 5 ) الآية . وقوله : ( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين ) ( المرسلات 46 - 49 ) وهي ثانية في مدح المؤمنين كما في قوله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) ( المؤمنون : 1 - 2 ) وفي ذم الكفار بتركها كما في قوله عز وجل : ( فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ) ( الانشقاق : 20 - 21 ) وقوله : ( فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ) ( القيامة 31 - 32 ) وكذا في ذم المنافقين بعدم اهتمامهم لها كما في قوله تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) ( النساء : 142 ) .
وهي ثانية في حساب العبد يوم القيامة كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " " . ومعنى قوله : " أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته ، فإن تقبلت منه تقبل منه سائر عمله ، وإن ردت عليه رد عليه سائر عمله " ; أي بعد التوحيد . أول ما يسأل عنه العبد
[ ص: 624 ] وهي ثانية فيما يذكر المجرمون أنهم عوقبوا به كما في قوله تعالى : ( في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ) ( المدثر : 40 - 43 ) الآيات . والنصوص في شأنها كثيرة لا تحصى وهي متنوعة ، فمنها ما فيه الأمر بها كقوله : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) ( البقرة : 238 ) وقوله : ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) ( العنكبوت : 45 ) وقوله : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) ( الإسراء 78 ) وما في معناها .
ومنها ما فيه بيان محلها من الدين كالنصوص السابقة وكقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : " " . رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله
ومنها في ثواب أهلها كقوله عز وجل : ( والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) ( المؤمنون : 9 - 11 ) .
ومنها ما فيه ذكر نجاتهم من النار كقوله صلى الله عليه وسلم في عصاة الموحدين " " . فيعرفونهم بآثار السجود ، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود ، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود
ومنها ما في كقوله عز وجل : ( عقاب تاركها فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) ( الماعون : 4 - 5 ) وقوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب ) ( مريم : 59 - 60 ) [ ص: 625 ] الآية . وقوله تعالى : ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) ( القلم : 42 - 43 ) ومنها ما فيه تكفير تاركها ونفي الإيمان عنه وإلحاقه بإبليس كقوله تعالى : ( فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ) ( مريم : 59 - 60 ) فإنه لو كان مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان . وقوله : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) ( التوبة : 11 ) فعلق أخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة للمؤمنين فلا يكونون مؤمنين . وقال تعالى : ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ) ( السجدة : 15 ) وقوله تعالى : ( فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) ( البقرة : 34 ) .
وفي صحيح مسلم عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة " . إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله - وفي رواية : يا ويلي - أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار
وفيه عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " رواه إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة الترمذي ، وقال حسن صحيح . وله عن عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عبد الله بن بريدة " ، قال وفي الباب عن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر أنس رضي الله عنه [ ص: 626 ] هذا حديث حسن صحيح غريب . وابن عباس
وروى الإمام أحمد والنسائي محجن بن الأدرع الأسلمي " أنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع ومحجن في مجلسه ، فقال له : ما منعك أن تصلي ، ألست برجل مسلم ؟ قال : بلى ، ولكني صليت في أهلي . فقال له : إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت " فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة . ولفظ الحديث يتضمن أنك لو كنت مسلما لصليت . عن
وفي المسند والأربع السنن عن رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال له : " عبد الله بن عمرو بن العاص قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف " . ورجال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع أحمد ثقات .
وتقدم الحديث الذي في في صفة المسلم : " البخاري " الحديث . من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، واستقبل قبلتنا ، وصلى صلاتنا
[ ] وقال حكم تارك الصلاة الترمذي رحمه الله : حدثنا قتيبة أخبرنا عن بشر بن المفضل الجريري [ ص: 627 ] عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .
ومنها ما فيه التصريح بوجوب قتله ، كقوله عز وجل : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة ) ( التوبة : 5 ) الآية . وقوله صلى الله عليه وسلم : " " الحديث وغير ذلك من الآيات والأحاديث . أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة
وأما الآثار في شأنها عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم فأكثر من أن تحصر ، وقد أجمعوا على قتله كفرا إذا كان تركه الصلاة عن جحود لفرضيتها أو استكبار عنها وإن قال لا إله إلا الله ، لما تقدم من الآيات والأحاديث السابقة ، ولدخوله في التارك لدينه المفارق للجماعة وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " " فإنه بذلك يكون مرتدا مبدلا لدينه . وأما إن كان تركه لها لا لجحود ولا لاستكبار ، بل لنوع تكاسل وتهاون كما هو حال كثير من الناس ، فقال من بدل دينه فاقتلوه النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم : قد اختلف العلماء فيه ، فذهب مالك رحمهما الله تعالى والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب ، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف . والشافعي
وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن كرم الله وجهه ، وهي إحدى الروايتين عن علي بن أبي طالب رحمه الله ، وبه قال أحمد بن حنبل عبد الله بن المبارك وهو وجه لبعض أصحاب وإسحاق بن راهويه رضوان الله عليه ، وذهب الشافعي أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب رحمهم الله تعالى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي . قال رحمه الله : واحتج من قال بكفره بظاهر حديث الشافعي جابر : " " وبالقياس على كلمة التوحيد . إن بين الرجل وبين الشرك [ ص: 628 ] والكفر ترك الصلاة
واحتج من قال لا يقتل بحديث : " " وليس فيه الصلاة . واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ( النساء : 48 ) وبقوله صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، ومن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ، ولا يلقى الله عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة ، وحرم الله على النار من قال لا إله إلا الله " وغير ذلك ، واحتجوا على قتله بقوله تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) ( التوبة : 5 ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " " وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم " على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل ، أو أنه محمول على المستحل ، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر ، أو أن فعله فعل الكفار ، والله أعلم . انتهى كلامه . بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة
وقد قدمنا في شروط لا إله إلا الله ، وفي بيان مراتب الدين وفي بيان أنواع الكفر ما فيه غنية ، وذكرنا هنا ما تيسر من النصوص في شأنها . وقد بسط الحافظ ابن القيم في كتاب الصلاة الكلام على هذه المسألة بسطا حسنا فليراجع .