[ ص: 111 ] الرابع : أن يقال : إما أن يكون عالما بصدق الرسول وثبوت ما أخبر به في نفس الأمر ، وإما أن لا يكون عالما بذلك ، فإن لم يكن عالما امتنع التعارض عنده ; لأن المعقول إن كان معلوما لم يتعارض معلوم ومجهول ، وإن لم يكن معلوما لم يتعارض مجهولان ، وإن كان عالما بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم امتنع ألا يعلم بثبوت ما أخبر به في نفس الأمر ، إذا علم أنه أخبر به وهو عالم بصدقه لزم ضرورة أن يكون عالما بثبوت مخبره ، وإذا كان كذلك استحال أن يقع عنده دليل يعارض ما أخبر به ، ويكون ذلك المعارض واجب التقديم ، إذ مضمون ذلك أن يقال : لا تعتقد ثبوت ما علمت أنه أخبر به ; لأن هذا الاعتقاد ينافي ما علمت من أن المخبر صادق ، وحقيقة ذلك ، لا تصدقه في هذا الخبر ; لأن تصديقه يستلزم عدم تصديقه ، فيقول : وعدم تصديقي له فيه هو عين اللازم المحذور ، فإذا قيل لي : لا تصدقه لئلا يلزم عدم تصديقه كان كما لو قيل : كذبه لئلا يلزم تكذيبه ، فهكذا حال من أمر الناس أن لا يصدقوا الرسول فيما علمه لأنه أخبر به بعد علمهم أنه رسول لئلا يفضي تصديقهم إلى عدم تصديقه ، يوضحه :
الوجه الخامس : وهو أن المنهي عنه من قبول هذا الخبر وتصديقه فيه هو عين المحذور ، فيكون واقعا في المنهي عنه سواء أطاع أو عصى ، ويكون تاركا للمأمورية سواء أطاع أو عصى ، ويكون وقوعه في المخوف المحذور على تقدير الطاعة أعجل وأسبق منه على تقدير المعصية ، والمنهي عنه على هذا التقدير هو التصديق ، والمأمور به هو التكذيب ، وحينئذ فلا يجوز النهي عنه سواء كان محذورا أو لم يكن ، فإن لم يكن محذورا لم يجز أن ينهى عنه ، وإذا كان محذورا فلا بد منه على التقديرين .