فإذا قيل : لا يمكن أنه يعلم أنه أخبر بما ينافي العقل فإنه منزه عن ذلك وممتنع عليه ذلك ، قيل : فهذا إقرار باستحالة واستحالة المسألة ، وعلم أن جميع أخباره لا تناقض العقل . معارضة العقل للسمع
قعد النقل سالما من مناف واسترحنا من الصداع جميعا
فإن قيل : بل المعارضة ثابتة بين العقل وبين ما يفهمه ظاهر اللفظ ، وليست ثابتة بين العقل وبين نفس ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فالمعارضة ثابتة بين العقل وبين ما يظن أنه دليل وليس بدليل ، أو يكون دليلا ظنيا لتطرق الظن إلى بعض مقدمات إسناده أو امتناعا ؟قيل : وهذا رفع صورة المسألة ويحيلها بالكلية ، ويصير صورتها هكذا : إذا وجب تقديم العقل ، وهو كلام لا فائدة فيه ولا حاصل له ، وكل عاقل يعلم أن الدليل لا يترك لما ليس بدليل . تعارض الدليل القولي وما ليس بدليل صحيح
ثم يقال : إذا فسرتم الدليل السمعي بما ليس بدليل في نفس الأمر ، بل اعتقاد دلالته جهل ، أو بما يظن أنه دليل وليس دليلا ، فإن كان السمع في نفس الأمر كذلك لكونه خبرا مكذوبا أو صحيحا ، ولكن ليس فيه ما يدل على معارضته العقل بوجه ، وأبيتم التعارض والتقديم بين هذين النوعين فساعدناكم عليه ، وكلنا أسعد بذلك منكم ، فأنا أشد منكم نفيا للأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد إبطالا لما تحمله من المعاني الباطلة ، وإن كان الدليل السمعي صحيحا في نفسه ظاهر الدلالة بنفسه على المراد ، لم يكن ما عارضه من العقليات إلا خياليات فاسدة .