ثم قال تعالى : ( هديا بالغ الكعبة    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : في الآية وجهان : 
الأول : أن المعنى يحكمان به هديا يساق إلى الكعبة  فينحر هناك ، وهذا يؤكد قول من أوجب المثل من طريق الخلقة لأنه تعالى لم يقل : يحكمان به شيئا يشترى به هدي ، وإنما قال يحكمان به هديا ، وهذا صريح في أنهما يحكمان بالهدي لا غير . 
الثاني : أن يكون المعنى يحكمان به شيئا يشترى به ما يكون هديا ، وهذا بعيد عن ظاهر اللفظ ، والحق هو الأول . وقوله : ( هديا ) نصب على الحال من الكناية في قوله : ( به ) والتقدير يحكم بذلك المثل شاة أو بقرة أو بدنة ، فالضمير في قوله : ( به ) عائد إلى المثل والهدي حال منه ، وعند التفطن لهذين الاعتبارين فمن الذي يرتاب في أن الواجب هو المثل من طريق الخلقة ؟ والله أعلم . 
المسألة الثانية : قوله : ( بالغ الكعبة    ) صفة لقوله : ( هديا ) لأن إضافته غير حقيقية ، تقديره بالغا الكعبة  ، لكن التنوين قد حذف استخفافا ، ومثله ( عارض ممطرنا    ) . 
المسألة الثالثة : سميت الكعبة  كعبة لارتفاعها وتربعها  ، والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة ، والكعبة  إنما أريد بها كل الحرم ، لأن الذبح والنحر لا يقعان في الكعبة  ولا عندها ملازقا لها ، ونظير هذه الآية قوله : ( ثم محلها إلى البيت العتيق    ) [الحج : 33] . 
المسألة الرابعة : معنى بلوغه الكعبة  أن يذبح بالحرم ، فإن دفع مثل الصيد المقتول إلى الفقراء حيا  لم يجز ، بل يجب عليه ذبحه في الحرم ، وإذا ذبحه في الحرم ، قال  الشافعي  رحمه الله : يجب عليه أن يتصدق به في الحرم  أيضا . وقال  أبو حنيفة  رحمه الله : له أن يتصدق به حيث شاء ، وسلم  الشافعي  أن له أن يصوم حيث شاء ، لأنه لا منفعة فيه لمساكين الحرم . 
 [ ص: 79 ] حجة  الشافعي    : أن نفس الذبح إيلام ، فلا يجوز أن يكون قربة ، بل القربة هي إيصال اللحم إلى الفقراء ، فقوله : ( هديا بالغ الكعبة    ) يوجب إيصال تلك الهدية إلى أهل الحرم  والكعبة    . 
وحجة  أبي حنيفة  رحمه الله أنها لما وصلت إلى الكعبة  فقد صارت هديا بالغ الكعبة  ، فوجب أن يخرج عن العهدة . 
				
						
						
