الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ نافع وابن عامر : (أو كفارة طعام) على إضافة الكفارة إلى الطعام ، والباقون : ( أو كفارة ) بالرفع والتنوين ( طعام ) بالرفع من غير التنوين ، أما وجه القراءة الأولى : فهي أنه تعالى لما خير المكلف بين ثلاثة أشياء : الهدي والصيام والطعام ، حسنت الإضافة ، فكأنه قيل : كفارة طعام لا كفارة هدي ولا كفارة صيام ، فاستقامت الإضافة لكون الكفارة من هذه الأشياء ، وأما وجه قراءة من قرأ : ( أو كفارة ) بالتنوين ، فهو أنه عطف على قوله : ( فجزاء ) و ( طعام مساكين ) عطف بيان ؛ لأن الطعام هو الكفارة ولم تضف الكفارة إلى الطعام ؛ لأن الكفارة ليست للطعام ، وإنما الكفارة لقتل الصيد .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله : كلمة (أو) في هذه الآية للتخيير ، وقال أحمد وزفر : للترتيب .

                                                                                                                                                                                                                                            حجة الأولين أن كلمة ( أو ) في أصل اللغة للتخيير ، والقول بأنها للترتيب ترك للظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                            حجة الباقين : أن كلمة ( أو ) قد تجيء للتخيير ، كما في قوله تعالى : ( أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ) [المائدة : 33] فإن المراد منه تخصيص كل واحد من هذه الأحكام بحالة معينة ، فثبت أن هذا اللفظ يحتمل الترتيب ، فنقول : والدليل دل على أن المراد هو الترتيب ؛ لأن الواجب هاهنا شرع على سبيل التغليظ بدليل قوله : ( ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ) [ المائدة : 95 ] والتخيير ينافي التغليظ .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب أن إخراج المثل ليس أقوى عقوبة من إخراج الطعام ، فالتخيير لا يقدح في القدر الحاصل من العقوبة في إيجاب المثل .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : إذا قتل صيدا له مثل ، قال الشافعي رحمه الله : هو مخير بين ثلاثة أشياء : إن شاء أخرج المثل ، وإن شاء قوم المثل بدراهم ويشتري بها طعاما ويتصدق به ، وإن شاء صام ، وأما الصيد الذي لا مثل له ، فهو مخير فيه بين شيئين ، بين أن يقوم الصيد بالدراهم ويشتري بتلك الدراهم طعاما ويتصدق به وبين أن يصوم ، فعلى ما ذكرنا الصيد الذي له مثل إنما يشتري الطعام بقيمة مثله . وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله : إنما يشتري الطعام بقيمته ، حجة الشافعي أن المثل من النعم هو الجزاء والطعام بناء عليه ، فيعدل به كما يعدل عن الصوم بالطعام ، وأيضا تقويم مثل الصيد أدخل في الضبط من تقويم نفس الصيد ، وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن مثل المتلف إذا وجب اعتبر بالمتلف لا بغيره ما أمكن ، والطعام إنما وجب مثلا للمتلف فوجب أن يقدر به .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : اختلفوا في موضع التقويم ، فقال أكثر الفقهاء : إنما يقوم في المكان الذي قتل الصيد فيه . وقال الشعبي : يقوم بمكة بثمن مكة لأنه يكفر بها .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية