ثم قال تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : وجه تعلق هذا الكلام بما قبله أنه تعالى لما قال : ( وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ) بين أنه أزاح علتهم فيما كلفوا فلا حجة لهم ولا معذرة .
المسألة الثانية : من الناس من قال : ، وذلك لأن العلوم إما دينية أو غير دينية ، أما العلوم التي ليست دينية فلا تعلق لها بهذه الآية ؛ لأن من المعلوم بالضرورة أن الله تعالى إنما مدح القرآن بكونه مشتملا على علوم الدين ، فأما ما لا يكون من علوم الدين فلا التفات إليه ، وأما علوم الدين فإما الأصول ، وإما الفروع ، أما علم الأصول فهو بتمامه موجود في القرآن ، وأما علم الفروع فالأصل براءة الذمة إلا ما ورد على سبيل التفصيل في هذا الكتاب ، وذلك يدل على أنه لا تكليف من الله تعالى إلا ما ورد في هذا القرآن ، وإذا كان كذلك كان القول بالقياس باطلا ، وكان القرآن وافيا ببيان كل الأحكام ، وأما الفقهاء فإنهم قالوا : القرآن إنما كان تبيانا لكل شيء ؛ لأنه يدل على أن الإجماع وخبر الواحد والقياس حجة ، فإذا ثبت حكم من الأحكام بأحد هذه الأصول كان ذلك الحكم ثابتا بالقرآن . وهذه المسألة قد سبق ذكرها بالاستقصاء في سورة الأعراف ، والله أعلم . القرآن تبيان لكل شيء
المسألة الثالثة : روى الواحدي بإسناده عن الزجاج أنه قال : تبيانا في معنى اسم البيان ، ومثل التبيان التلقاء ، وروى ثعلب عن الكوفيين ، عن البصريين أنهم قالوا : لم يأت من المصادر على تفعال إلا حرفان ( تبيانا وتلقاء ) ، وإذا تركت هذين اللفظين استوى لك القياس فقلت : في كل مصدر تفعال بفتح التاء مثل تسيار وتذكار وتكرار ، وقلت : في كل اسم تفعال بكسر التاء -مثل تقصار وتمثال . والمبرد