( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )
قوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) .
[ ص: 166 ]
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما شرح الأوامر الثلاثة ، عاد بعده إلى ذكر النواهي فنهى عن ثلاثة أشياء :
أولها : قوله : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) وقوله : ( تقف ) مأخوذ من قولهم : قفوت أثر فلان أقفو قفوا وقفوا إذا اتبعت أثره ، وسميت قافية الشعر قافية لأنها تقفو البيت ، وسميت القبيلة المشهورة بالقافة ، لأنهم يتبعون آثار أقدام الناس ويستدلون بها على أحوال الإنسان ، وقال تعالى : ( ثم قفينا على آثارهم برسلنا ) [ الحديد : 27 ] وسمي القفا قفا لأنه مؤخر بدن الإنسان كأنه شيء يتبعه ويقفوه فقوله : ( ولا تقف ) أي : ، وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما لا يكون معلوما ، وهذه قضية كلية يندرج تحتها أنواع كثيرة ، وكل واحد من المفسرين حمله على واحد من تلك الأنواع وفيه وجوه : ولا تتبع ولا تقتف ما لا علم لك به من قول أو فعل
الوجه الأول : المراد نهي المشركين عن المذاهب التي كانوا يعتقدونها في الإلهيات والنبوات بسبب تقليد أسلافهم ، لأنه تعالى نسبهم في تلك العقائد إلى اتباع الهوى فقال : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) [ النجم : 23 ] وقال في إنكارهم البعث : ( بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ) [ النمل : 66 ] وحكي عنهم أنهم قالوا : ( إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) [ الجاثية : 32 ] وقال : ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) [ القصص : 50 ] وقال : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ) [ النحل : 116 ] الآية وقال : ( هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن ) [ الأنعام : 148 ] .
والقول الثاني : نقل عن أن المراد منه شهادة الزور ، وقال محمد ابن الحنفية : ابن عباس . لا تشهد إلا بما رأته عيناك وسمعته أذناك ووعاه قلبك
والقول الثالث : المراد منه : النهي عن القذف ورمي المحصنين والمحصنات بالأكاذيب ، وكانت عادة العرب جارية بذلك يذكرونها في الهجاء ويبالغون فيه .
والقول الرابع : المراد منه النهي عن الكذب . قال قتادة : لا تقل سمعت ولم تسمع ورأيت ولم تر وعلمت ولم تعلم .
والقول الخامس : أن القفو هو البهت وأصله من القفا ، كأنه قول يقال خلفه وهو في معنى الغيبة وهو ذكر الرجل في غيبته بما يسوءه . وفي بعض الأخبار من قفا مسلما بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال ، واعلم أن اللفظ عام يتناول الكل فلا معنى للتقليد . والله أعلم .