المسألة الثامنة : اعلم أن الكعبة عبارة عن أجسام مخصوصة هي السقف والحيطان والبناء ، ولا شك أن تلك الأجسام حاصلة في أحياز مخصوصة ، فالقبلة إما أن تكون تلك الأحياز فقط ، أو تلك الأجسام فقط ، أو تلك الأجسام بشرط حصولها في تلك الأحياز لا جائز أن يقال أنها تلك الأجسام فقط ؛ لأنا أجمعنا على أنه لو نقل تراب الكعبة وما في بنائها من الأحجار والخشب إلى موضع آخر وبني به بناء وتوجه إليه أحد في الصلاة لم يجز ذلك ، ولا جائز أن يقال :إنها لتلك الأجسام بشرط كونها في تلك الأحياز ؛ لأن الكعبة لو انهدمت والعياذ بالله ، وأزيل عن تلك الأحياز تلك الأحجار والخشب ، وبقيت العرصة خالية ، فإن أهل المشرق والمغرب إذا [ ص: 111 ] توجهوا إلى ذلك الجانب صحت صلاتهم وكانوا مستقبلين للقبلة ، فلم يبق إلا أن يقال : القبلة هو ذلك الخلاء الذي حصل فيه تلك الأجسام ، وهذا المعنى كما ثبت بالدليل العقلي الذي ذكرناه ، فهو أيضا مطابق للآية ؛ لأن المسجد الحرام اسم لذلك البناء المركب من السقف والحيطان ، والمقدار وجهة المسجد الحرام هو الأحياز التي حصلت فيها تلك الأجسام ، فإذا أمر الله تعالى بالتوجه إلى جهة المسجد الحرام ، كانت القبلة هو ذلك القدر من الخلاء والفضاء ، إذا ثبت هذا فنقول : قال أصحابنا : لو انهدمت الكعبة والعياذ بالله ، فالواقف في عرصتها لا تصح صلاته ؛ لأنه لا يعد مستقبلا للقبلة ، وذكر ابن سريج أنه يصح ، وهو قول ، والاختيار عندي ، والدليل عليه ما بينا أن القبلة هي ذلك القدر المعين من الخلاء ، والواقف في العرصة مستقبل لجزء من أجزاء ذلك الخلاء فيكون مستقبلا للقبلة ، فوجب أن تصح صلاته ، وقالوا أيضا : أبي حنيفة الكعبة من غير أن يكون في قبالته جدار لا تصح صلاته إلا على قول الواقف على سطح ابن سريج وهو الاختيار عندي ؛ لأنه مستقبل لذلك الخلاء والفضاء الذي هو القبلة فوجب أن تصح صلاته .