( 6489 ) فصل : ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط    : أحدها ، أن يكونوا فقراء ، لا مال لهم ، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم ، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به ، فلا نفقة لهم ; لأنها تجب على سبيل المواساة ، والموسر مستغن عن المواساة . الثاني ، أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم ، فاضلا عن نفقة نفسه ، إما من ماله ، وإما من كسبه . فأما  [ ص: 170 ] من لا يفضل عنه شيء ، فليس عليه شيء ; لما روى  جابر  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان أحدكم فقيرا ، فليبدأ بنفسه ، فإن فضل ، فعلى عياله ، فإن كان فضل ، فعلى قرابته .   } وفي لفظ : { ابدأ بنفسك ، ثم بمن تعول   } . حديث صحيح . وروى  أبو هريرة ،    { أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، عندي دينار . قال : تصدق به على نفسك قال : عندي آخر . قال : تصدق به على ولدك . قال : عندي آخر . قال : تصدق به على زوجك . قال : عندي آخر . قال : تصدق به على خادمك . قال : عندي آخر . قال : أنت أبصر .   } رواه أبو داود  ، ولأنها مواساة ، فلا تجب على المحتاج ، كالزكاة . الثالث ، أن يكون المنفق وارثا ; لقول الله تعالى : { وعلى الوارث مثل ذلك    } . 
ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس ، فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم ، فإن لم يكن وارثا لعدم القرابة ، لم تجب عليه النفقة لذلك . وإن امتنع الميراث مع وجود القرابة ، لم يخل من ثلاثة أقسام ; أحدها ، أن يكون أحدهما رقيقا ، فلا نفقة لأحدهما على صاحبه ، بغير خلاف ; لأنه لا ولاية بينهما ولا إرث ، فأشبها الأجنبيين ، ولأن العبد لا مال له فتجب عليه النفقة وكسبه لسيده ، ونفقته على سيده فيستغني بها عن نفقة غيره . الثاني : أن يكون دينهما مختلفا ، فلا نفقة لأحدهما على صاحبه . وذكر  القاضي  في عمودي النسب روايتين ; إحداهما ، تجب النفقة مع اختلاف الدين    . وهو مذهب  الشافعي    ; لأنها نفقة تجب مع اتفاق الدين ، فتجب مع اختلافه ، كنفقة الزوجة والمملوك ، ولأنه يعتق على قريبه ، فيجب عليه الإنفاق عليه ، كما لو اتفق دينهما . 
ولنا ، أنها مواساة على سبيل البر والصلة ، فلم تجب مع اختلاف الدين ، كنفقة غير عمودي النسب ، ولأنهما غير متوارثين فلم يجب لأحدهما على الآخر نفقة بالقرابة ، كما لو كان أحدهما رقيقا ، وتفارق نفقة الزوجات ; لأنها عوض يجب مع الإعسار ، فلم ينافها اختلاف الدين ، كالصداق والأجرة ، وكذلك تجب مع الرق فيهما أو في أحدهما ، وكذلك نفقة المماليك  ، والعتق عليه يبطل بسائر ذوي الرحم المحرم ، فإنهم يعتقون مع اختلاف الدين ، ولا نفقة لهم معه ، ولأن هذه صلة ومواساة ، فلا تجب مع اختلاف الدين ، كأداء زكاته إليه ، وعقله عنه ، وإرثه منه . الثالث : أن يكون القريب محجوبا عن الميراث بمن هو أقرب منه ، فينظر ; فإن كان الأقرب موسرا فالنفقة عليه ، ولا شيء على المحجوب به ; لأن الأقرب أولى بالميراث منه ، فيكون أولى بالإنفاق وإن كان الأقرب معسرا ، وكان من ينفق عليه من عمودي النسب ، وجبت نفقته على الموسر . ذكر  القاضي  ، في أب معسر وجد موسر ، أن النفقة على الجد    . 
وقال ، في أم معسرة وجدة موسرة : النفقة على الجدة    . وقد قال  أحمد    : لا يدفع الزكاة إلى ولد ابنته ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إن ابني هذا سيد   } . فسماه ابنه ، وهو ابن ابنته ، وإذا منع من دفع الزكاة إليهم لقرابتهم ، يجب أن تلزمه نفقتهم عند حاجتهم . وهذا مذهب  الشافعي    . وإن كان من غير عمودي النسب ، لم تجب النفقة عليه إذا كان محجوبا . قال  القاضي  ،  وأبو الخطاب  ، في ابن فقير وأخ موسر لا نفقة عليهما    ; لأن الابن لا نفقة عليه لعسرته والأخ  [ ص: 171 ] لا نفقة عليه لعدم إرثه ; ولأن قرابته ضعيفة لا تمنع شهادته له ، فإذا لم يكن وارثا لم تجب عليه النفقة كذوي الرحم . 
ويتخرج في كل وارث ، لولا الحجب ، إذا كان من يحجبه معسرا وجهان : أحدهما : لا نفقة عليه ; لأنه ليس بوارث ، أشبه الأجنبي . والثاني ، عليه النفقة لوجود القرابة المقتضية للإرث والإنفاق ، والمانع من الإرث لا يمنع من الإنفاق ; لأنه معسر لا يمكنه الإنفاق ، فوجوده بالنسبة إلى الإنفاق كعدمه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					