البعد التربوي للإعلان الإسلامي
للتربية تعاريف كثيرة يتفق معظمها في كونها عملية فردية واجتماعية معا، ذات أنساق وسياقات وعلاقات نظرية، وعملية معقدة ومتشابكة ومستمرة ومتطورة وضرورية للفرد والمجتمع، بغرض إحداث تغييرات كلية في شخصيته بما يؤدي إلى تشكيلها ونموها في كافة جوانبها الفكرية والوجدانية والسلوكية، وفق العقيدة والمنهج المرغوب فيه فطريا واجتماعيا.
[1]
فالتربية -إذن- هي عملية غرس القيم والمعايير والتصورات والعقائد في الفرد والمجتمع، وتحويلها إلى سلوك عملي في الواقع. وتكون بذلك عملية فريدة ومتميزة ومعقدة لصياغة وصناعة وتشكيل [ ص: 153 ] العقل والوجدان والنفس، لبناء وتحديد المواقف الكلية في الحياة.
والتربية الإسلامية، كما يعرفها الأستاذ الدكتور علي حسن قريشي هي: (النشاط الفردي والاجتماعي الهادف إلى تنشئة الإنسان فكريا وعقديا وتصوريا ووجدانيا واجتماعيا وخلقيا وجسديا، وإلى تزويده أيضا بالمعارف والخبرات والمهارات والاتجـاهات والقيـم والمعـايير اللازمة لنموه نموا سليما، طبقا لمنطلقات وممارسات وأهـداف التربية في الإسلام) . [2]
وقد وصف المولى تبارك وتعالى التربية الإسلامية في القرآن الكريم بأنها عملية صناعة وصياغة وتشكيل شمولي للإنسان، روحيا وعقديا وتصوريا ووجدانيا وسلوكيا، وذلك في معرض تناوله لقصة ابن سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام الكافر،
بقوله: ( إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ) (هود:46) ،
وفي معرض تناولـه لتربية سيدنا موسى عليه الصلاة والسـلام وطفولته في قصر فرعون،
بقوله: ( ولتصنع على عيني ) (طه:39) .
فالتربية بالمنظور القرآني، هي عملية إعداد وصياغة وصناعة للإنسان، ليبني مواقفه الكلية في الحياة الدنيا، وليهيئ نفسه لتبوء [ ص: 154 ] مقعده في الآخرة.
إنها التربية المتوازنة بين عالم الأشياء وعالم الروحانيات.. بين عالم العقل والوجدان.. بين متطلبات الدنيا ومقتضيات الآخرة.. بين النظر والواقع.. وبين الفردية الذاتية، والكلية الاجتماعية.
إنها التربية التي تستقي جذورها من الدين الإسلامي، وتغذي أفرادها روحيا بالقيم وحقائق التنزيل الخالدة، وتبني أجسادهم بالرزق والمال الحلال، وتصنع بمجهوداتهم الحضارة الراشدة.
وقد غدت وسائل الإعلام والاتصال تضطلع بدور تربوي خطير لإنسان الحضارة المعاصرة، حتى أصبحت وسائلها السمعية والبصرية تشكل نسبة السبعين بالمائة من حصيلة المعارف والخبرات والعلوم والحقائق والمعلومات، التي يتحصل عليها الفرد في الربع الأخير من هذا القرن، [3] وهي مرشحة إلى الارتفاع حتى تصل إلى درجة الاعتماد الكلي عليها في القرن القادم.
وقد أصبحت تشكل مصدر الخبرة والمعرفة الرئيس للأطفال، فعبر برامجها تتشكل حياتهم الوجدانية والتصورية والفكرية والسلوكية، وذلك لكونها وسائل باردة ومؤثرة، وقادرة على صناعة الحياة المثالية الحالمة عبر شاشاتها الملونة. ولهذا يرى علماء الاجتماع اليوم أن طفل [ ص: 155 ] الحضارة المعاصرة أصبح له أبا ثالثا بعد أبويه، هو أجهزة السمعي البصري المتنوعة.
[4]
وتشير معظم التقديرات الواردة إلى هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من كافة الدول، إلى أن متوسط إقبال أطفال المدارس الابتدائية، والمراهقين من المرحلتين الإعدادية والثانوية، من ست سنوات إلى ست عشرة سنة، على مشاهدة برامج التلفزيون أسبوعيا، يتراوح بين اثنتي عشرة ساعة وأربع وعشرين ساعة مشاهدة. وهي مرشحة للزيادة في القرن القادم.
كما تشير نفس التقارير إلى الأخطار المحدقة بالأطفال، أخلاقيا وسلوكيا وتصوريا وعقديا، من جراء الإدمان على مشاهدة برامج التلفزيون. [5] وهذا ما ينبه إلى المهمة الخطيرة التي تضطلع بها وسائل الإعلام والاتصال في العصر الحديث من جميع النواحي، وفي مقدمتها القضايا التربوية المختلفة والمكثفة والمتناقضة التي تبثها من جهة، وإقبال مختلف الشرائح عليها ولا سيما الأطفال من جهة ثانية.
وعلى ضوء هذه الحقائق الإعلامية والتربوية، فإن المضمون التربوي [ ص: 156 ] للإعلام هو الذي يحدد قيمته ومدى تأثيره وفاعليته في جمهور المستقبلين، وذلك ما يجب أن يستثمره الإعلامي والإعلاني الإسلامي أفضل استثمار، منطلقا وممارسة وغاية.