الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
4- القاعدة الرابعة : ( الخروج عن الخلاف مستحب )

هذه القاعدة الفقهية تكمل في حقيقتها القاعدة السابقة القائلة بأنه : ( لا ينكر المختلف فيه ) ، وتحقق توازنا في موقف المسلم من مسائل الخلاف والاجتهاد.. وقد ذكرها السيوطي والزركشي وغيرهما [1] ، وعرفت عند المالكية باسم ( مراعاة الخلاف ) .

ومعناها : أن مراعاة الخلاف العلمي أمر محبوب مطلوب، وذلك احتياطا في الدين، وعونا على تحقيق الوحدة وعدم الفرقة.

وقد ذكر العلماء شروطا لمراعاة الخلاف منها :

1- أن لا يوقع مراعاته في خلاف آخر.

2- أن لا يخالف سنة ثابتة صحيحة أو حسنة.

3- أن يقوى مدركه، أي : دليله الذي استند إليه المجتهد [2] .

فإذا كان الأمر المختلف فيه بين العلماء ليس محلا للإنكار فإن الدعوة بلطف ورفق إلى الخروج من الخلاف أمر مطلوب محبوب. [ ص: 146 ]

وفي هـذا يقول الإمام النووي بعد تقريه لقاعدة عدم الإنكار في المختلف فيه : (ولكنه إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف، فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق، فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع في خلاف آخر ) [3]

ومن هـنا يظهر الفرق واضحا بين الإنكار في المختلف فيه، وبين الدعوة برفق إلى الخروج عن الخلاف، فإن من يدعو الآخر للخروج عن الخلاف، لا ينطلق معه من منطلق اعتبار القول الآخر منكرا، وإنما ينطلق في دعوته من منطلق الاحتياط في الدين، واتقاء الشبهات.

ولو تنبه الدعاة إلى هـذا الفرق، وعملوا بالقاعدتين معا في حياتهم الدعوية، لتقاربت القلوب، وتوحدت الصفوف، وتلاقى الناس على المتفق عليه، والأخذ بالأحوط من أحكام الدين.

وإلا فكم تفرقت صفوف المسلمين، وتباغضت قلوبهم من وراء إنكار في مختلف فيه، غافلين عن مثل هـذه القواعد الدعوية، والضوابط الفقهية [4][ ص: 147 ]

وفي هـذا المقام يقول الشيخ عبد الرحمن بن معمر السنوسي في كتابه: (مراعاة الخلاف ) : ( إن من المقاصد العليا والغايات العظمى التي يلتفت إليها هـاهنا : تضييق هـوة الاختلاف بين المسلمين، وحسم أسباب الفرقة بينهم، وتقليل مسائل الاختلاف بين المذاهب الفقهية، فكثيرا ما أحدثت هـذه الخلافات شروخا في وحدة المسلمين، وخلفت جراحات لا تؤسى، وفتنا عظيمة، وعاها التاريخ وشهد بها الواقع، وبقدر ما في اختلاف الفهوم والأنظار من خير ونفع، وما في تعدد المذاهب من ثراء وسعة، فيه من دواعي الفرقة وأسباب التشتت ما يأسى له القلب ويحزن.. ولا شك أن الخلاف الفقهي في ذاته لا ينتهض لإحداث الفرقة، وإنما تسبب الفرقة عن ضيق الصدور، واستحكام الهوى، والتعصب للرأي ) [5]

التالي السابق


الخدمات العلمية