الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
1- القاعدة الأولى : ( من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه )

هذه القاعدة من القواعد الفقهية المشهورة، والمتفق عليها بين العلماء، وردت في المادة (99) من مواد مجلة الأحكام العدلية.. وهي كثير الفروع عند الحنفية خلافا للشافعية.. ويرد بها العلماء : أنه من كان مستحقا لشيء، فتعجل بالحصول عليه قبل حلول أجله، كان عقابه بالحرمان منه معاملة له بنقيض قصده.

لأنه باستعجاله هـذا أقدم على تحصيله بسبب محظور.. وهذه القاعدة من باب السياسة الشرعية في القمع وسد الذرائع [1] ، وقد [ ص: 137 ]

عدها بعضهم من مستثنيات القاعدة الكبرى القائلة:

( الأمور بمقاصدها ) [2]

.. واستدلوا عليها بمنع الشارع من قتل مورثه بغير حق من الإرث منه عقوبة له، فقد جاء في الحديث الشريف: ( ليس للقاتل من تركة المقتول شيء ) [3]

ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنه أفتى في المرأة التي يطلقها زوجها فتتزوج غيره قبل انقضاء عدتها، بأنها تحرم على الزوج الثاني إن دخل بها حرمة مؤبدة، معاملة لها بنقيض مقصودها، بمقتضى السياسة الشرعية في المصالح المرسلة [4]

ويستفاد من هـذه القاعدة الفقهية في المجال الدعوي، حيث تعالج ظاهرة الاستعجال التي ابتلي بها كثير من الدعاة، فتراهم يتجاوزون المراحل الفطرية الدعوي، مخالفين بذلك السنن الربانية، استعجالا منهم للنتائج المرجوة، فتكون النتيجة غالبا الخسران والندامة.

وعندما جاء بعض الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعجلون النصر، ويطلبون الدعاء منه، أنكر عليه استعجالهم، [ ص: 138 ]

فقد روى البخاري ( عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه : قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا ؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هـذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) [5]

فما أحوج الدعاة اليوم إلى تفهم المنهج النبوي، والاستنارة بهذه القاعدة الفقهية !! فقد جاء في الحديث الشريف : ( وما أعطي أحدكم عطاء خيرا وأوسع من الصبر ) [6]

فالداعية الحكيم : هـو الذي يستقيم على منهج الله، ويقدم ما يقدر عليه من خير، ويصبر على ذلكن تاركا النتائج لله غز وجل، فلا يستعجلها، لأن الله هـو القادر على كل شيء، وهو الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

التالي السابق


الخدمات العلمية