الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

القواعد الشرعية ودورها في ترشيد العمل الإسلامي

الدكتور / محمد أبو الفتح البيانوني

الموقف الثالث

الحكم على الآخرين بلازم مذهبهم، وإلزامهم بأقوال لم يقولوا بها، وأحكام لا تنطبق عليهم، وعلاقته بقاعدة ( لازم المذهب ليس بمذهب ) .

فكثيرا ولا سيما في مواطن الاختلاف في الرأي والاجتهاد، يلزم بعض الدعاة إخوانهم الدعاة بأقوال لم يقولوها، ونتائج لم يصرحوا بها، ويصدرون أحيانا أحكاما بسبب ذلك على مخالفيهم..

وإذا راجعتهم في ذلك، استدلوا بلازم مذهبهم، أو بمقتضى فهمهم لكلامهم، عملا بما ذهب إليه بعض أهل الجدل والمناظرة من أن لازم المذهب مذهب، مع أن التحقيق في هـذه القاعدة: أن ( لازم المذهب ليس بمذهب ) ، والقاعدة الفقهية تقول: ( لا ينسب لساكت قول ) [1]

، ومعلوم أن ما يلزم في نظر الآخرين وفهمهم من كلام فلان أو فلان، لا تصح نسبته عليه إذا لم يصرح به، أو دلت على إرادته له قرينة [ ص: 162 ] قوية تدل عليه، وإلا كان تقولا وتحكما، وتحريفا للكلم عن مواضعه، إن لم يكن كذبا صريحا على صاحبه.

ومثل هـذا يجب أن يتجنبه العلماء والدعاة، كما أن عليهم إذا ما ظهر لهم شيء من ذلك، أن يحملوا القول على المعنى الأصلح، حملا لحال المسلم على الأحسن دائما، وأن يراجعوا فيه صاحب القول، ويشعروه بما يلزم من قوله، مستفسرين ناصحين، حتى لا يقعوا في إثم التقول عليه، أو الكذب عليه من حيث لا يشعرون من جهة، ويسلموا من الحكم الخاطئ عليه من جهة أخرى.. ولا يخفى أثر هـذا الموقف الخاطئ في التباعد بين القلوب، والتفريق بين الصفوف، والتنابز بالألقاب، كما يحدث كثيرا بين المختلفين.

نعم إن من تمام القاعدة القائلة ( لا ينسب إلى ساكت قول ) ، قولهم ( لكن السكوت في موضع الحاجة بيان ) ، ولكنه يراد به أن يكون هـناك دلالة من حال المتكلم، أو أن يكون هـناك ضرورة لدفع الغرر والضرر [2] ..

ولكن المتكلم كثيرا ما يغفل عن لوازم كلامه، ولا ينتبه لما قد يترتب على فهم كلامه من خطأ، ومن هـنا وجب الامتناع عن إلزامه بلازم مذهبه، وعدم الحكم عليه بما قد يلزم من قوله قبل التحقق والتبين منه. [ ص: 163 ]

وفي هـذا يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله - لما سئل : هـل لازم المذهب مذهب أم لا ؟: ( فالصواب : أن لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه، فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه، كانت إضافته إليه كذبا عليه، بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال.. ولو كان لازم المذهب مذهبا، للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة..

لكن نعلم أن كثيرا ممن ينفي ذلك لا يعلم لوازم قوله، بل كثير منهم يتوهم أن الحقيقة ليست إلا محض حقائق المخلوقين، وهؤلاء جهال بمسمى الحقيقة والمجاز ) [3]

التالي السابق


الخدمات العلمية