[ ص: 59 ] ( باب وهي ) جمع عاقل يقال عقلت فلانا إذا أديت ديته وعقلت عن فلان إذا غرمت عنه ديته وأصله من عقل الإبل وهي الحبال التي تثنى بها أيديها إلى ركبها وقيل من العقل وهو المنع لأنهم يمنعون عن القاتل وقيل لأنهم يتحملون العقل وهو الدية سميت بذلك لأنها تعقل لسان ولي المقتول والعاقلة ( من غرم ثلثا فأكثر بسبب جناية غيره ) وهو تعريف بالحكم فيدخله الدور فلذلك رفعه بقوله ( فعاقلة الجاني ذكرا كان أو أنثى ذكور عصبته نسبا ) كالآباء والأبناء والإخوة لغير أم والأعمام كذلك ( وولاء ) كالمعتق وعصبته المعتصبين بأنفسهم ( قريبهم وبعيدهم حاضرهم وغائبهم صحيحهم ومريضهم ولو هرما وزمنا وأعمى ) لما روى العاقلة وما تحمله قال { أبو هريرة بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنتها وزوجها وأن العقل على عصبتها } متفق عليه . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من
وروى عن أبيه عن جده { عمرو بن شعيب } رواه الخمسة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثون منها إلا ما فضل عن ورثتها الترمذي ( ومنهم ) أي العاقلة ( عمودا نسبه آباؤه ) أي أبوه وإن علا بمحض الذكور ( وأبناؤه ) وإن نزلوا بمحض الذكور لأنهم أحق العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله ( ولا يعتبر ) في العاقلة ( أن يكونوا وارثين في الحال ) أي حال العقل ( بل متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا ) لأنهم عصبة أشبهوا سائر العصبات يحققه أن العقل موضوع على التناصر وهم من أهله ( وليس منهم ) أي العاقلة ( الإخوة لأم ولا سائر ذوي الأرحام ) ولا النساء لأنهم ليسوا من ذوي النصرة ( ولا الزوج ولا المولى من أسفل ) وهو العتيق لأنه لا يرث ( ولا مولى الموالاة وهو الذي حالف رجلا يجعل له ولاءه ونصرته ) لحديث { } ( ولا الحليف الذي يحالف آخر على التناصر ولا العديد وهو الذي لا عشيرة له ينضم إلى عشيرة فيعد منهم ) لأنه لا نص في ذلك ولا هو في معنى [ ص: 60 ] المنصوص عليه . إنما الولاء لمن أعتق
( وإن عرف نسب قاتل من قبيلة ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه ) لأنهم لا يرثونه ( ولا مدخل لأهل الديوان في المعاقلة ) فإذا قتل واحد من ديوان لم يعقلوا عنه كأهل محلته لأنهم لا يرثونه ( وليس على فقير ولو معتملا حمل شيء من الدية ) لأن حمل العاقلة مواساة فلا يلزم الفقير كالزكاة ولأنه وجب على العاقلة تخفيفا عن القاتل فلا يجوز التثقيل على الفقير لأنه كلفة ومشقة ( ولا صبي ولا زائل العقل ) لأن الحمل للتناصر وهما ليسا من أهله ( ولا امرأة ) لما تقدم ( ولا خنثى مشكل ولو كانوا معتقين ) لاحتمال أن يكون الخنثى امرأة ( ولا رقيق ) لأنه أسوأ حالا من الفقير ( ولا مخالف لدين الجاني حمل شيء من الدية ) لأن حملها للنصرة ولا نصرة لمخالف في دينه .
( ويحمل الموسر من غيرهم ) أي غير الصبي وزائل العقل والمرأة والخنثى والرقيق والمخالف إذا كان عصبة ( وهو ) أي الموسر ( هنا من ملك نصابا ) زكويا ( عند حلول الحول فاضلا عنه ) أي عن حاجته ( كحج وكفارة ظهار ) فيعتبر أن يفضل عن حاجته الأصلية وعياله ووفاء دينه ( وخطأ الإمام والحاكم في أحكامهما في بيت المال ) لأن خطأه يكثر فيجحف بعاقلته ولأنه نائب عن الله فكان أرش جنايته في مال الله ( كخطأ وكيل ) فإنه على موكله يعني أن الوكيل لا يضمنه ( فعلى هذا للإمام عزل نفسه ) ذكره وغيره قاله في الفروع والمبدع والتنقيح ( وخطؤهما الذي تحمله العاقلة ) هو خطؤهما في غير حكمهما ( وشبهه ) أي شبه الخطأ إذا كان ( في غير حكم على عاقلتهما ) أي الإمام والحاكم كخطأ غيرهما . القاضي
( وكذا الحكم إن زاد سوط الخطأ في حد أو تعزير أو جهلا حملا أو بأن من حكما ) أي الإمام والحاكم ( بشهادته غير أهل في أنه من بيت المال ) لأنه من خطئه في حكمه ( ويأتي في كتاب الحدود ) فلا يعقل أحدهما عن الآخر لعدم التناصر وقيل إن التوارث ( بل بين ذميين إن تحدث مثلها فلا يعقل يهودي ) عن نصراني ( ولا نصراني عن الآخر ) أي عن يهودي لعدم التوارث والتناظر ( فإن تهود نصراني أو تنصر يهودي أو ارتد مسلم لم يعقل عنهم أحد ) لأنهم لم يقروا على ذلك الدين ( وتكون جناياتهم في أموالهم كسائر الجناية التي لا تحملها العاقلة ومن لا عاقلة له أو له ) عاقلة ( وعجزت عن الجميع فالدية ) أي عجزوا عن الكل ( أو باقيها ) إن أدوا البعض وعجزوا عن الباقي ( عليه ) أي الجاني ( إن كان ذميا ) لأن بيت المال لا يعقل عنه ( وإن كان ) الجاني ( مسلما أخذت ) الدية . ولا تعاقل بين ذمي وحربي
( أو ) أخذ ( باقيها من بيت المال ) حيث لا عاقلة أو عجزت [ ص: 61 ] لأن المسلمين يرثون من لا وارث له فيعقلون عنه عند عدم عاقلته كعصابته فتؤخذ ( حالة دفعة واحدة ) لأنه صلى الله عليه وسلم أدى دية الأنصاري دفعة واحدة وكذا لأن الدية إنما أجلت على العاقلة تخفيفا ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال . عمر
( فإن تعذر ) الأخذ من بيت المال إذن ( فليس على القاتل شيء لأن الدية تلزم العاقلة ابتداء ) بدليل أنه لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم بها فلا تجب على غير من وجبت عليه كما لو عدم القاتل تجب في مال القاتل قال في المقنع وهو أولى من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال فإنه لا يكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال فتضيع الدماء والدية تجب على القاتل ثم تتحملها العاقلة وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله لأنه لا عاقلة له تحملها . وعنه
( وإن رمى ذمي ) صيدا ثم تغير دينه ( أو ) رمى ( مسلم صيدا ثم تغير دينه ثم أصاب السهم آدميا فقتله فالدية في ماله ) لأنه قتيل في دار الإسلام معصوم نفذ حمل عاقلته عقله فوجب على عاقلته ولا يعقله عصبة القاتل المسلمون لأنه لم يكن مسلما حال رميه ولا المعاهدون لأنه لم يقتله إلا وهو مسلم ( ولو اختلف دين جارح حالتي جرح وزهوق ) بأن جرحه وهو مسلم ثم تغير دينه أو وهو ذمي ثم أسلم ثم مات المجروح ( حملته عاقلته حال الجرح ) لأنه لم يصدر منه فعل بعد الجرح ( ولو جنى ابن المعتقة من عبد فعقله على موالي أمه ) لأنهم مواليه ولقوله صلى الله عليه وسلم { } ( فإن عتق أبوه وانجر ولاؤه ) لموالي أبيه ( ثم سرت جنايته ) خطأ فأرشها في ماله لتعذر حمل العاقلة قاله في المقنع وجزم به في المغني والشرح وشرح الولاء لحمة كلحمة النسب ابن منجا وغيرهم قال في الإنصاف وهو المذهب .
قال قاله في الفروع إلى أن قال وإن انجر ولاء ابن معتقة بين جرح أو رمي وتلف فكتغير دين وقاله في المحرر وغيره انتهى فعلى هذا تكون في هذه المسألة وهي مسألة الجرح على عاقلته حال الجرح كما في تغير الدين إذ لا فرق بينهما ولذلك حول صاحب المبدع عبارة المقنع على ذلك ولم يتبع صاحب المنتهى كلامه في الإنصاف أولا ولا المقنع مع أن التنقيح لم يخالفه ( أو رمى ) ابن المعتقة من عبد ( بسهم فلم يقع السهم حتى عتق أبوه فأرشها ) أي الجناية ( في ماله ) أي الجاني لا يحمله أحد لما سبق في تغير الدين .