( ونفسه في الأصح ) لتعذر تمليك الإنسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه ؛ لأنه حاصل ويمتنع تحصيل الحاصل واختلاف الجهة إذ استحقاقه ونفا غيره ملكا الذي نظر إليه المقابل الذي اختاره جميع لا يقوى على دفع ذلك التعذر ومنه أن يشرط نحو قضاء دينه مما وقفه أو انتفاعه به لا شرط نحو شربه أو مطالعته أو طبخه من بئر أو كوز ، وفي كتاب أو قدر وقفها على نحو الفقراء كذا قاله شارح وليس بصحيح وكأنه توهمه من قول عثمان رضي الله عنه في وقفه لبئر رومة بالمدينة دلوي فيها كدلاء المسلمين وليس بصحيح فقد أجابوا عنه بأنه لم يقل ذلك على سبيل الشرط بل على سبيل الإخبار [ ص: 245 ] بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام كالصلاة بمسجد وقفه والشرب من بئر وقفها .
ثم رأيت بعضهم جزم بأن شرط نحو ذلك يبطل الوقف نعم شرطه أن يضحى عنه منه صحيح أخذا من قول الماوردي وغيره بصحة شرط أن يحج عنه منه أي ؛ لأنه لا يرجع له من ذلك إلا الثواب وهو لا يضر بل هو المقصود من الوقف ويفرق بينه وبين شرطه الصلاة فيما وقفه مسجدا بأن الصلاة فيها انتفاع ظاهر بالبدن فعاد عليه بشرطه ذلك وفق دنيوي ولا كذلك في نحو الحج والأضحية وأفتى أبو زرعة فيمن بأنه صحيح وما فضل عن العمارة يحفظ ما دام حيا لجواز الاحتياج إليه فيها ثم ما فضل حال موته يصرف لأولاده وإنما لم يبطل فيما جعله لنفسه ؛ لأنه لا يعرف ومن ثم لم يكن كالوقف على زيد ونفسه حتى يصح في نصفه ويبطل في نصفه ولا كمنقطع الوسط حتى يصرف الفاضل في حياته لأقرب الناس إليه ؛ لأنه هنا ليس طبقة ثانية بل من جملة الأولى وإن تقدم بعضها عليه وإنما لم يؤثر ضم المجهول وهو ما له إلى المعلوم ؛ لأنه لم يشرك بينهما بل قدم المعلوم وهو نحو العمارة فصح فيه وأخر المجهول المتعذر الصرف إليه فحفظنا الفاضل لموته لما مر هذا حاصل كلامه المبسوط في ذلك وفيه ما فيه للمتأمل . وقف بناء أو بستانا وشرط أن يبدأ من ريعه بعمارته وما فضل له ثم لأولاده
ولو جاز له الأخذ منه وكذا لو كان فقيرا حال الوقف كما في الكافي واعتمده وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا السبكي وغيره ويصح شرطه النظر لنفسه ولو بمقابل إن كان بقدر أجرة المثل فأقل ومن حيل صحة أن يقف على أولاد أبيه ويذكر صفات نفسه فيصح كما قاله جمع متأخرون واعتمده الوقف على النفس ابن الرفعة وعمل به في حق نفسه فوقف على الأفقه من بني الرفعة وكان يتناوله [ ص: 246 ] وخالف فيه الإسنوي وغيره تبعا للغزالي والخوارزمي فأبطلوه إن انحصرت الصفة فيه والأصح لغيره قال السبكي وهو أقرب لبعده عن قصد الجهة وأن يؤجره مدة طويلة ثم يقفه على الفقراء مثلا ثم يتصرف في الأجرة أو يستأجره من المستأجر وهو الأحوط لينفرد باليد ويأمن خطر الدين على المستأجر وهاتان حيلتان لانتفاعه بما وقفه لا لوقفه على نفسه كما هو واضح وأن يستحكم فيه من يراه ولو أقر من وقف على نفسه ثم على جهات مفصلة بأن جاء كما يراه حكم به وبلزومه وأخذ بإقراره ويجوز نقض الوقف في حق غيره على ما أفتى به البرهان المراغي وخالفه التاج الفزاري فقال يقبل إقراره عليه وعلى من يتلقى منه كما لو قال هذا وقف علي ويأتي قبيل الفصل ما له تعلق بذلك .
( تنبيه )
أفتى بأن حكم الحنفي بصحة الوقف على النفس لا يمنع الشافعي باطنا من بيعه وسائر التصرفات فيه قال ؛ لأن حكم الحاكم لا يمنع ما في نفس الأمر وإنما منع منه في الظاهر سياسة شرعية ويلحق بهذا ما في معناه انتهى ، وتبعه على ذلك جمع ورده آخرون بأنه مفرع على الضعيف إن حكم الحاكم في محل اختلاف المجتهدين لا ينفذ باطنا كما صرح به في تعليله والأصح كما في الروضة في مواضع نفوذه باطنا ولا معنى له إلا ترتب الآثار عليه من حل وحرمة ونحوهما وقد صرح الأصحاب بأن حكم الحاكم في المسائل الخلافية يرفع الخلاف ويصير الأمر متفقا عليه ابن الصلاح