الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو أكرى جمالا ) عينا أو ذمة ( وهرب وتركها عند المكتري ) فلا خيار لإمكان الاستيفاء بما في قوله ( راجع ) حيث لم يتبرع بمؤنتها ( القاضي ليمونها ) بإنفاقها وأجرة متعهدها كمتعهد أحمالها إن لزم المؤجر ( من مال الجمال فإن لم يجد له مالا ) بأن لم يكن له غيرها وليس فيها زيادة على حاجة المستأجر وإلا باع الزائد من غير اقتراض ( اقترض عليه ) ؛ لأنه الممكن قال السبكي واستئذانه الحاكم إنما هو لحق المكتري وحرمة الحيوان

                                                                                                                              [ ص: 195 ] فلو وجد ثوبا ضائعا أو عبدا لغائب واحتاج في حفظه لمؤنة فله بيعه حالا وحفظ ثمنه إلى أن يظهر ا هـ . وقد يؤيده ما يأتي في ملتقط نحو حيوان ، لكن لو قيل يلزمه استئذان الحاكم إن أمن عليه منه وإعطاؤه له إن كان أمينا وقبله لكان متجها بل متعينا ويفرق بينه وبين الملتقط بأنه يجوز له التملك فالبيع أولى بخلاف ذي الأمانة الشرعية ( فإن وثق ) القاضي ( بالمكتري دفعه ) أي المقترض منه أو من غيره ( إليه ) ليصرفه فيما ذكر ( وإلا ) يثق به ( جعله عند ثقة ) يصرفه لذلك والأولى له تقدير النفقة وإن كان القول قول المنفق بيمينه إن ادعى لائقا بالعرف ( وله ) أي القاضي عند تعذر الاقتراض ومنه أن يخشى أن لا يتوصل بعد إلى استيفائه وكذا إن لم يتعذر لكنه لم يره ( أن يبيع منها ) بنفسه أو وكيله غير المستأجر لامتناع وكالته في حق نفسه ( قدر النفقة ) والمؤنة المذكورة للضرورة ومن ثم لم يأت هنا الخلاف في بيع المستأجر وبعد البيع تبقى في يد المستأجر إلى انقضاء المدة كذا صرحوا به وهو صريح في أن الإجارة هنا لا تنفسخ بالبيع ذمية كانت أو عينية ؛ لأن الفرض أنه لم يهرب بالجمال وعليه فلو لم يجد مشتريا لها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة فهل للحاكم فسخها كما لو هرب ولم يترك جمالا فإن للمستأجر فسخ العينية للضرورة أو يفرق بإمكان البيع هنا ولو على ندور بخلافه ثم محل نظر والأول أقرب ؛ لأن النظر لإمكان وجود النادر مع عدم وجوده لا يفيد هنا شيئا ومحل ذلك في الذمية ما إذا لم ير الحاكم بيع الكل وإلا باع وانفسخت الإجارة كما يصرح به بحث الأذرعي أن الحاكم في إجارة الذمة إذا رأى المصلحة في بيعها والاكتراء للمستأجر ببعض أثمانها جاز له ذلك جزما حيث يجوز له بيع مال الغائب بالمصلحة ا هـ

                                                                                                                              فقوله والاكتراء له إلخ صريح في انفساخ الإجارة به وعليه فيفرق بينها وبين العينية بأن تعلق حق المستأجر بالعين فيها أقوى منه في الذمية كما علم مما مر فيهما وعليه أيضا يظهر أنه لو رأى مشتريا لها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة لزمه أن يبيعه ما يحتاج لبيعه منها مقدما له على غيره ؛ لأنه الأصلح وخرج بمنها كلها فليس له بيعه ابتداء خشية أن يأكل أثمانها كما صرح به جمع متقدمون لتعلق حق المستأجر بأعيانها ونازع فيه محلي بأنه لا يفوت حقه إذ لا تنفسخ به الإجارة وفيه نظر ؛ لأن الإجارة وإن لم تنفسخ بالبيع لكن البيع لا يجوز إلا لضرورة وفي الابتداء لا ضرورة [ ص: 196 ] إلا أن يحمل على ما بحثه الأذرعي أن الحاكم في إجارة الذمة إذا رأى المصلحة في بيعها والاكتراء للمستأجر ببعض الثمن جاز له ذلك جزما حيث يجوز له بيع مال الغائب بالمصلحة ( ولو أذن للمكتري في الإنفاق من ماله ليرجع جاز في الأظهر ) لأنه محل ضرورة ، وقد لا يرى الاقتراض وأفهم كلامه أنه لا يرجع بما أنفقه بغير إذن الحاكم ومحله إن وجد وأمكن إثبات الواقعة عنده وإلا أشهد على أنه أنفق بشرط الرجوع ثم رجع فإن تعذر الإشهاد فقضية ما مر في المساقاة أنه لا يرجع وإن نوى الرجوع ؛ لأنه نادر ، وقد يفرق بأن سبب الندرة ثم كون المساقى عليه بين الناس غالبا ولا كذلك المستأجر عليه هنا ؛ لأنه كثيرا ما يقع الهروب هنا في الأسفار التي من شأنها ندرة فقد الشهود فيها فينبغي حينئذ الاكتفاء بنية الرجوع وخرج بتركها ما لو هرب بها ففي إجارة العين يتخير نظير ما مر في الإباق ، وكما لو شردت الدابة وفي إجارة الذمة يكتري عليه الحاكم أو يقترض نظير ما مر ولا يفوض ذلك للمستأجر لامتناع توكله في حق نفسه فإن تعذر الاكتراء فله الفسخ .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله قال السبكي واستئذانه الحاكم [ ص: 195 ] إلخ ) كذا شرح م ر مقتصرا على كلام السبكي وتأييده ( قوله لكن لو قيل إلخ ) هذا يدل على أن الواجد والبائع غير الحاكم فليراجع ( قوله ويفرق بينه وبين الملتقط إلخ ) هذا يدل على أن الموجود لا على وجه اللقطة ( قوله فهل للحاكم فسخها ) شامل للذمية لكن قوله كما لو إلخ يقتضي خلافه ( قوله فقوله والاكتراء إلخ صريح في انفساخ الإجارة به ) قد يقال بل هو صريح في عدم الانفساخ إذ لو انفسخت لم يكتر له إذ لم يبق له حق بعد الفسخ غير المطالبة بالأجرة ( قوله خشية أن تأكل أثمانها ) علة المنفي لا النفي ( قوله لأن الإجارة وإن لم تنفسخ بالبيع إلخ ) يقتضي أنها بيعت مسلوبة المنفعة أو أن إطلاق بيعها يحمل على ما عدا المنفعة المستحقة كما هو الصريح من قوله السابق وهو صريح في أن الإجارة هنا لا تنفسخ إلخ والوجه أن إطلاق بيعها [ ص: 196 ] لو بيع بعضها محمول على ما عدا منفعة المبيع كما في بيع المالك ؛ لأن المنفعة مستثناة لاستحقاقها م ر ( قوله إلا أن يحمل على ما بحثه الأذرعي إلخ ) فيه أن محليا مصرح بعدم الانفساخ فكيف يحمل على ما بحثه الأذرعي المتضمن للانفساخ كما ادعاه فيما سبق ( قوله والاكتراء للمستأجر ببعض الثمن ) قد يقال لا حاجة إلى الاكتراء للمستأجر ببعض الثمن ؛ لأن إطلاق بيعها محمول على ما عدا المنفعة المستحقة للمستأجر إلا أن يحمل على ما إذا باعها بمنافعها مطلقا لعدم من يشتريها مسلوبة المنفعة المستحقة للمستأجر ( قوله وأفهم كلامه إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله وإلا ) يشمل ما لو وجد ولم يمكن إثبات الواقعة .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله عينا ) إلى قول المتن اقترض في المغني وإلى قول الشارح لكن لو قيل في النهاية ( قوله أو ذمة ) أي وسلم عينها ا هـ مغني ( قوله لإمكان الاستيفاء في قوله إلخ ) قد يقال إن الذي في قول المصنف المذكور ليس طريقا للاستيفاء فكان الظاهر أن يقول لإمكان الاستيفاء من غير ضرر عليه لما ذكره في قوله ا هـ رشيدي ( قوله وأجرة متعهدها ) عطف على الضمير المجرور بتضمين الإنفاق معنى الإعطاء بلا إعادة الخافض على مختار ابن مالك ولو حذف الأجرة لاستغنى عن التضمين ( قوله إن لزم ) أي التعهد ( المؤجر ) أي بأن كانت إجارة ذمة ا هـ ع ش ( قوله وليس إلخ ) أي والحال ليس إلخ ( قوله وإلا باع الزائد ) ظاهر كلامهم أنه يبيعه غير مسلوب المنفعة وصار ذلك كأنه غير مؤجر حلبي وقال العناني صورها بعضهم بما إذا اكترى جملين لحمل إردبين مثلا وكان أحدهما يحملهما ا هـ بجيرمي ( قوله باع إلخ ) أي بنفسه أو نائبه غير المستأجر كما يأتي

                                                                                                                              ( قوله من غير اقتراض ) ظاهره وإن كان الاقتراض أنفع للمالك من البيع وهو محتمل ؛ لأن في الاقتراض إلزاما لذمة المالك وقد لا يتيسر توفيته عند المطالبة ا هـ ع ش قول المتن ( اقترض ) أي من المكتري أو أجنبي أو بيت المال ا هـ مغني ( قوله قال السبكي إلخ ) كذا شرح م ر مقتصرا على كلام السبكي وتأييده ا هـ سم يعني [ ص: 195 ] لا يظهر له موقع هنا فإن الكلام في مراجعة القاضي في الإنفاق لا في بيع المكتري بإذنه بل هو مناف لقول الشارح الآتي أو وكيله غير المستأجر إلا أن يراد بقوله واستئذانه الحاكم المراجعة المذكورة في المتن ( قوله فله بيعه حالا ) أي على المعتمد وقضيته أن له الاستقلال بذلك ا هـ ع ش ( قوله لكن لو قيل إلخ ) يدل على أن الواجد البائع غير الحاكم فليراجع ا هـ سم ( قوله يلزمه ) واجد الثوب أو العبد

                                                                                                                              ( قوله وإعطاؤه ) الواو بمعنى أو أي يلزم الواجد إما استئذان الحاكم في بيعه إن أمن الواجد من الحاكم على الثوب أي على أخذه للثوب أو إعطاؤه الثوب للحاكم إن كان الحاكم أمينا إلخ ا هـ كردي ( قوله ويفرق إلخ ) هذا يدل على أن الموجود لا على وجه اللقطة ا هـ سم ( قوله بينه ) أي واجد نحو الثوب ( قوله له ) أي الملتقط ( قوله القاضي ) إلى قوله ومن ثم في النهاية إلا قوله وكذا إلى المتن وقوله غير المستأجر إلى المتن ( قوله أي المقترض منه ) ظاهر هذا التفسير أنه لا يدفع له مال الجمال إذا كانت المؤنة منه فليراجع ا هـ رشيدي أقول ظاهر صنيع شرح الروض عدم الفرق عبارته وكذا يأخذ من ماله ثم يقترض للإنفاق عليها أي على الجمال فإن وثق بالمستأجر دفعه إليه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وإن كان القول إلخ ) هذه الغاية لا حسن لها هنا ( قوله وكذا إن لم يتعذر لكنه لم يره ) كذا في شرحي الروض والبهجة ( قوله لامتناع وكالته إلخ ) يتأمل ( قوله في بيع المستأجر ) بفتح الجيم ( قوله تبقى ) أي الجمال المبيعة

                                                                                                                              ( قوله وعليه ) أي على عدم الانفساخ ( قوله فهل للحاكم فسخها ) شامل للذمية لكن قوله كما لو إلخ يقتضي خلافه ا هـ سم أقول عبارة شرح الروض كالصريح في الشمول ( قوله والأول أقرب ) وفاقا للأسنى والمغني لكنهما عبرا بدل الحاكم بالمستأجر ( قوله ومحل ذلك ) أي جواز بيع قدر النفقة دون الكل و ( قوله في الذمية ) متعلق بذلك و ( قوله ما إذا إلخ ) خبر ومحل إلخ ( قوله أن الحاكم إلخ ) بيان لبحث الأذرعي واعتمده النهاية والمغني أيضا ( قوله صريح في انفساخ إلخ ) قد يقال بل هو صريح في عدم الانفساخ إذ لو انفسخت لم يكتر له إذ لم يبق له حق بعد الفسخ غير المطالبة بالأجرة ا هـ سم ( قوله به ) أي بالبيع ( قوله وعليه ) أي بحث الأذرعي ( قوله وبين العينية ) أي حيث إن ليس للحاكم بيع الكل فيها ابتداء ( قوله مما مر إلخ ) أي في غصب الدابة وإباق العبد

                                                                                                                              ( قوله مقدما له ) أي لبيع قدر الاحتياج ( على غيره ) أي على الأخذ من ماله والاقتراض عليه وبيع الكل ( قوله وخرج ) إلى قوله لتعلق حق إلخ في المغني وإلى قوله لأن الإجارة في النهاية ( قوله خشية أن يأكل إلخ ) علة المنفي لا النفي ا هـ سم أي وعلته قوله : لتعلق حق إلخ ( قوله بأعيانها ) أي بالعقد في العينية والتسليم في الذمية قول المتن ( ولو أذن للمكتري إلخ ) [ ص: 196 ] والقول قوله في قدر ما أنفق إذا ادعى نفقة مثله في العادة ؛ لأنه أمين ا هـ مغني ( قوله لأنه محل ضرورة ) إلى قوله فإن تعذر في المغني وإلى قوله وقد يفرق في النهاية إلا قوله فقضية ما مر إلى لا يرجع ( قوله وأمكن إثبات الواقعة إلخ ) أي بأن سهلت إقامة البينة وقبلها القاضي ولم يأخذ مالا وإن قل على ما مر ا هـ ع ش ( قوله وإلا ) شامل لما لو وجد الحاكم ولم يمكن إثبات الواقعة عنده ا هـ سم ( قوله أنه لا يرجع إلخ ) اعتمده المغني والنهاية

                                                                                                                              ( قوله أنه لا يرجع ) أي ظاهرا ، وأما باطنا فينبغي أن له الرجوع ا هـ ع ش ( قوله كون المساقى عليه بين الناس ) أي فلا يتعذر الإشهاد عليها ا هـ كردي ( قوله المساقى ) في أصله بخطه بألف ا هـ بصري ( قوله لأنه ) أي الشأن ( قوله هنا ) أي في هرب الجمال ( قوله الهروب ) قضية صنيع القاموس أن الصواب إسقاط الواو ( قوله ندرة إلخ ) صوابه عدم ندرة إلخ أو حذف لفظة ندرة ( قوله وخرج ) إلى المتن في النهاية وكذا في المغني إلا قوله ولا يفوض إلى فإن ( قوله يكتري عليه الحاكم ) أي من ماله و ( قوله أو اقترض ) أي فإن لم يجد له مالا اقترض عليه واكترى عليه ا هـ مغني .




                                                                                                                              الخدمات العلمية