وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد
هذا هو المثال الذي يعطي للمعتبر فيه جواز بعث الأجساد، وذلك أن إحياء الأرض بعد موتها بين، فكذلك الأجساد، و "هامدة" معناها: ساكنة دارسة بالية، ومنه قيل: همد الثوب إذا بلي، قال الأعشى :
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همدا
قوله: ذلك بأن الله هو الحق إشارة إلى ما تقدم ذكره، فـ "ذلك" ابتداء، وخبره "بأن"، أي: هو بأن الله حق محيي قادر، وقوله: وأن الساعة آتية ليس بسبب لما ذكر، لكن المعنى أن الأمر مرتبط بعضه ببعض، أو على تقدير: والأمر أن الساعة.
وقوله تعالى: ومن الناس من يعبد الآية. الإشارة بقوله سبحانه: " ومن الناس " إلى القوم المتقدم ذكرهم، وحكى عن النقاش أنه قال: نزلت هذه الآية في محمد بن كعب الأخنس بن شريق ، وكرر هذه على جهة التوبيخ، فكأنه يقول: وهذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان، ومن الناس مع ذلك من يجادل، فكأن الواو واو الحال، والآية المتقدمة الواو فيها واو عطفت جملة الكلام على ما قبلها، والآية على معنى الإخبار، وهي ها هنا مكررة للتوبيخ، و "ثاني" حال من ضمير في "يجادل"، ولا يجوز أن تكون من "من" لأنها ابتداء، والابتداء عمله الرفع لا النصب، وإضافة "ثاني" غير معتد بها; لأنها في معنى الانفصال إذ تقديرها: ثانيا عطفه. وقوله سبحانه: ثاني عطفه عبارة عن المتكبر المعرض، قاله رضي الله عنهما وغيره. ابن عباس
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
وذلك أن صاحب الكبر يرد وجهه عما يتكبر عنه، فهو يرد وجهه يصعر خده ويلوي عنقه، ويثني عطفه، وهذه هي عبارات المفسرين. و "العطف": الجانب. وقرأ : "عطفه" بفتح العين، والعطاف: السيف; لأن صاحبه يتعطفه، أي يصله [ ص: 219 ] بجنبه. وقرأ الجمهور : "ليضل" بضم الياء، وقرأ الحسن وأهل مجاهد مكة : "ليضل" بفتح الياء، وكذلك قرأ . و "الخزي": الذي توعد به أبو عمرو النضر بن الحارث في أسره يوم بدر ، وقتله بالصفراء و"الحريق": طبقة من طبقات جهنم.
وقوله تعالى: ذلك بما قدمت يداك بمعنى: يقال له، ونسب التقديم إلى اليدين إذ هما آلة الاكتساب، واختلف في الوقف على "يداك" فقيل: لا يجوز لأن التقدير: وبأن الله، أي أن هذا هو العدل فيك بجرائمك، وقيل: يجوز بمعنى: والأمر أن الله تعالى ليس بظلام. و "العبيد" هنا ذكروا في معنى مكسنتهم وقلة قدرتهم، فلذلك جاءت هذه الصيغة.