فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير
الضمير في "أرادا" للوالدين، و"فصالا" معناه: فطاما عن الرضاع، ولا يقع التشاور ولا يجوز التراضي إلا بما لا ضرر فيه على المولود، فإذا ظهر من حاله الاستغناء عن اللبن قبل تمام الحولين فلا جناح على الأبوين في فصله، هذا معنى الآية. وقاله ، مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد وغيرهم وقال وسفيان : لا جناح مع التراضي في فصله قبل الحولين وبعدهما. ابن عباس
[ ص: 576 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحرير القول في هذا أن فصله قبل الحولين لا يصح إلا بتراضيهما، وألا يكون على المولود ضرر، وأما بعد تمامهما فمن دعا إلى الفصل فذلك له، إلا أن يكون في ذلك على الصبي ضرر.
وقوله تعالى: وإن أردتم أن تسترضعوا مخاطبة لجميع الناس، تجمع الآباء والأمهات، أي لهم اتخاذ الظئر مع الاتفاق على ذلك.
وأما قوله تعالى: إذا سلمتم فمخاطبة للرجال خاصة إلا -على أحد التأويلين- في قراءة من قرأ "أتيتم" وقرأ الستة من السبعة: "آتيتم" بالمد. المعنى: أعطيتم. وقرأ "أتيتم" بمعنى ما جئتم وفعلتم، كما قال ابن كثير زهير : .
وما كان من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل
قال : المعنى: إذا سلمتم ما أتيتم نقده أو إعطاءه أو سوقه، فحذف المضاف، وأقيم الضمير مقامه، فكان التقدير: ما أتيتموه، ثم حذف الضمير من الصلة، ويحتمل اللفظ معنى آخر -قاله أبو علي - وهو: إذا سلمتم ما أتيتم من إرادة الاسترضاع، أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي، وكان ذلك عن اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر. قتادة
وعلى هذا الاحتمال فيدخل في الخطاب بـ "سلمتم" الرجال والنساء، وعلى التأويل الذي ذكره وغيره فالخطاب للرجال، لأنهم الذين يعطون أجر الرضاع. قال أبو علي : ويحتمل أن تكون "ما" مصدرية، أي إذا سلمتم الإتيان، والمعنى كالأول، لكن يستغنى عن الصنعة من حذف المضاف، ثم حذف الضمير. أبو علي
قال : المعنى: إذا سلمتم إلى الأمهات أجرهن، بحساب ما أرضعن إلى [ ص: 577 ] وقت إرادة الاسترضاع. وقال مجاهد : المعنى: إذا سلمتم إلى المسترضعة وهي الظئر أجرها بالمعروف. سفيان
وباقي الآية أمر بالتقوى، وتوقيف على أن الله تعالى بصير بكل عمل، وفي هذا وعيد وتحذير، أي فهو مجاز بحسب عملكم.