الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 55 ] باب القول في الاستعاذة

قال الله عز وجل: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [النحل: 98].

معناه: إذا أردت أن تقرأ وشرعت فأوقع الماضي موقع المستقبل لثبوته. وأجمع العلماء على أن قول القارئ: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ليس بآية من كتاب الله. وأجمعوا على استحسان ذلك والتزامه في كل قراءة في غير صلاة، واختلفوا في التعوذ في الصلاة، فابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وقوم، يتعوذون في الصلاة في كل ركعة، ويمتثلون أمر الله بالاستعاذة على العموم في كل قراءة، وأبو حنيفة، والشافعي [ ص: 56 ] يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة، ويريان أن قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة. ومالك رحمه الله لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة، ويراه في قيام رمضان. ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ في صلاة.

وحكى الزهري عن الحسن أنه قال: «نزلت الآية في الصلاة، وندبنا إلى الاستعاذة في غير الصلاة وليس بفرض».

قال غيره: «كانت فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده، ثم تأسينا به».

وأما لفظ الاستعاذة فالذي عليه جمهور الناس هو لفظ كتاب الله تعالى: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».

وروي عن ابن عباس أنه قال: «أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال له: قل يا محمد: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم».

وروى سليمان بن سالم عن ابن القاسم رحمه الله: أن الاستعاذة: «أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم، بسم الله الرحمن الرحيم».

وأما المقرئون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله تعالى وفي الجهة الأخرى كقول بعضهم: «أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد». ونحو هذا مما لا أقول فيه نعمت البدعة ولا أقول إنه لا يجوز.

ومعنى الاستعاذة: الاستجارة، والتحيز إلى الشيء على معنى الامتناع به من [ ص: 57 ] المكروه، والكلام على المكتوبة يجيء في بسم الله فذلك الموضع أولى به. وأما الشيطان فاختلف الناس في اشتقاقه، فقال الحذاق: «هو فيعال من شطن إذا بعد؛ لأنه بعد عن الخير ورحمة الله». ومن اللفظة قولهم: نوى شطون، أي: بعيدة.

قال الأعشى: [الوافر]


نأت بسعاد عنك نوى شطون

فبانت والفؤاد بها رهين

ومنه قيل للحبل شطن، لبعد طرفيه وامتداده، وقال قوم: إن شيطانا مأخوذ من شاط يشيط إذا هاج وأحرق ونحوه، إذ هذه أفعاله، فهو فعلان.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ويرد على هذه الفرقة أن سيبويه حكى أن العرب تقول تشيطن فلان إذا فعل أفاعيل الشياطين، فهذا يبين أنه تفيعل من شطن، ولو كان من شاط لقالوا: تشيط.

ويرد أيضا عليهم بيت أمية بن أبي الصلت: [الخفيف]


أيما شاطن عصاه عكاه     ثم يلقى في السجن والأكبال

فهذا شاطن من شطن لا شك فيه.

وأما الرجيم فهو فعيل بمعنى مفعول، كقتيل وجريح ونحوه، ومعناه أنه رجم باللعنة، والمقت، وعدم الرحمة.

قال المهدوي رحمه الله: «أجمع القراء على إظهار الاستعاذة في أول قراءة سورة الحمد إلا حمزة؛ فإنه أسرها».

وروى المسيب عن أهل المدينة أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالبسملة.

التالي السابق


الخدمات العلمية