يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور
المحاريب: الأبنية العالية الشريفة، قال : القصور والمساجد، وقال قتادة : المساكن، والمحراب أشرف موضع في البيت، والمحراب موضع العبادة أشرف ما يكون منه، وغلب عرف الاستعمال في موضع وقوف الإمام لشرفه، ومن هذه اللفظة قول ابن زيد : عدي بن زيد
كدمى العاج في المحاريب أو كال ... بيض في الروض زهره مستنير
والتماثيل، قيل: كانت من زجاج ونحاس، تماثيل أشياء ليست بحيوان، وقال : كانت تماثيل حيوان، وكان هذا من الجائز في ذلك الشرع. الضحاك
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ونسخ بشرع محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال قوم: حرم التصوير لأن الصور كانت تعبد، وحكى في الهداية أن فرقة كانت تجوز التصوير وتحتج بهذه الآية، وذلك خطأ، وما أحفظ من أئمة العلم من يجوزه.
والجوابي جمع جابية، وهي البركة التي يجيء إليها الماء الذي يجتمع، قال الراجز:
فصبحت جابية صهارجا ... كأنه جلد السماء خارجا
[ ص: 167 ] وقال : هي جمع جوبة، وهي الحفرة العظيمة في الأرض، وفي هذا نظر، ومنه قول مجاهد الأعشى:
نفى الذم عن آل المحلق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق
وأنشده : "تروح على آل المحلق"، ويروى: "السيح" بالسين المهملة، وهو الماء الجاري على وجه الأرض ويروى بالشين والخاء منقوطتين فيقال أراد الطبري كسرى ويقال أراد شيخا من فلاحي سواد العراق غير معين وذلك أنه لضعفه يدخر الماء في جابية فهي تفهق أبدا فشبهت الجفنة بها لعظمها وقال مجاهد وقتادة والضحاك : الجوابي الحياض وقرأ وابن زيد نافع وابن عامر وعاصم وحمزة كالجواب بغير ياء في الوصل والوقف، وقرأ والكسائي ، أبو عمرو بغير ياء في الوقف وياء في الوصل، وقرأ وعيسى بياء فيهما. ووجه حذف الياء التخفيف والإيجاز، وهذا كحذفهم ذلك من "القاض، والغاز، والهاد"، وأيضا فلما كانت الألف واللام تعاقب التنوين وكانت الياء تحذف مع التنوين وجب أن تحذف مع ما عاقبته، كما يعملون الشيء أبدا عمل نقيضه. ابن كثير
و"راسيات" معناه: ثابتات لكبرها، ليست مما ينقل ولا يحمل، ولا يستطيع عمله [ ص: 168 ] إلا الجن، وبالثبوت فسرها الناس. ثم أمروا مع هذه النعم بأن يعملوا بالطاعات.
وقوله: "شكرا" يحتمل أن يكون نصبه على الحال، أي: اعملوا بالطاعات في حال شكر منكم لله على هذه النعم، ويحتمل أن يكون نصبه على جهة المفعول، أي: اعملوا عملا هو الشكر، كأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي نفسها الشكر إذ سدت مسده، وفي الحديث وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فتلا هذه الآية، ثم قال: "ثلاث من أوتيهن فقد أوتي العمل شكرا: العدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية"، أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك؟ فقال: الآن يا داود عرفتني حق معرفتي، وقال ثابت: روي أن مصلى آل داود لم يخل قط من قائم يصلي ليلا ونهارا، كانوا يتناوبونه دائما، وكان سليمان عليه السلام - فيما روي يأكل الشعير، ويطعم أهله الخشكار، ويطعم المساكين الدرمك. وروي أنه ما شبع قط، فقيل له في ذلك فقال: أخاف أن أنسى الجياع.
وقوله تعالى: وقليل من عبادي الشكور يحتمل أن تكون مخاطبة لآل داود، ويحتمل أن تكون مخاطبة لآل محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى كل حال ففيها تنبيه وتحريض، وسمع رضي الله عنه رجلا يقول: اللهم اجعلني من القليل، فقال له: ما هذا الدعاء؟ فقال: أردت قوله تعالى: عمر بن الخطاب وقليل من عبادي الشكور ، فقال : كل الناس أعلم من عمر . عمر
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد قال تعالى: وقليل ما هم ، والقلة أيضا بمعنى الخمول منحة من الله تبارك وتعالى، فلهذا الدعاء محاسن.