الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين

قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : "عاقبة" بالرفع على أنها اسم "كان"، والخبر يجوز أن يكون "السوءى" ويجوز أن يكون: "أن كذبوا"، وتكون "السوءى" - على هذا - مفعولا بـ"أساءوا" وإذا كان "السوءى" خبرا فإن "أن كذبوا" مفعول من أجله، ولا يصح تعلقه بـ"أساءوا"; لأن في ذلك فصلا بين الصلة وموصولها بخبر "كان". وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : "عاقبة" بالنصب على أنها خبر مقدم، واسم كان أحد ما تقدم، و"السوءى" مصدر كالرجعى والفتيا والشورى، ويجوز أن تكون صفة لمحذوف تقديره: "الخلة السوءى". قال أبو حاتم : هذه قراءة العامة بالمد على الواو وفتح الهمزة وياء التأنيث، فبعض القراء فخم، وبعضهم أمال. وقرأ الحسن: "السوء" بالتذكير، وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: السوء والسوءى اقرأ بما شئت، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أساءوا" هنا بمعنى: كفروا، و"السوءى" هي النار، والتكذيب بآيات الله تبارك وتعالى غير الاستهزاء بها، فلذلك عدد عليهم الفعلين.

[ ص: 13 ] ثم أخبر تعالى إخبارا مطلقا لجميع العالم بالحشر والبعث من القبور. وقرأ طلحة ، وابن مسعود : "يبدئ" بضم الياء وكسر الدال، وقرأ جمهور القراء: "ترجعون" بالتاء من فوق. وقرأ أبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم بالياء.

وقوله: "يوم" منصوب بـ"يبلس"، و"الإبلاس": الكون في شر مع اليأس من الخير في ذلك الشر بعينه، فإبلاسهم هو في عذاب الله تعالى. وقرأ عامة القراء بكسر اللام، وقرأ أبو عبد الرحمن ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بفتحها، وأبلس الربع إذا بلي، وكأنه يئس من العمارة، ومنه قول العجاج :


يا صاح هل تعرف ربعا مكرسا؟ ... قال نعم أعرفه وأبلسا



وقرأ عامة القراء: "ولم يكن لهم" بالياء من تحت، وروي عن نافع "تكن" بالتاء من فوق، و"الشركاء": المشار إليهم هم الأصنام، أي الذين كانوا يجعلونهم شركاء لله بزعمهم.

وقوله: "وكانوا" معناه يكونون عند معاينتهم أمر الله تعالى وفساد حال الأصنام، فعبر عنه بالماضي لتيقن الأمر وصحة وقوعه.

التالي السابق


الخدمات العلمية