تفسير سورة يس
هذه السورة مكية بإجماع، إلا أن فرقة قالت: إن قوله تعالى: ونكتب ما قدموا وآثارهم بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "دياركم تكتب آثاركم"، وكره عليه الصلاة والسلام أن يعروا نزلت في المدينة، فعلى هذا فهي مدنية، وليس الأمر كذلك، وإنما نزلت الآية بمكة، ولكنه احتج عليهم في المدينة، ووافقها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعنى، فمن هنا قيل ذلك، وروى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنس بن مالك وروت "إن لكل شيء قلبا، وإن قلب القرآن يس"، رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام قال: عائشة "إن في القرآن سورة يشفع لقارئها، ويغفر لمستمعها، وهي يس"، [ ص: 232 ] وقال : " بلغني أن من قرأ سورة يس ليلا لم يزل في فرح حتى يصبح، وكذا في النهار"، ويصدق ذلك التجربة. يحيى بن أبي كثير
قوله عز وجل:
يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون
أمال حمزة الياء في [يس] غير مفرطين، والجمهور يفتحونها، والكسائي يتوسط في ذلك، وقوله تعالى: ونافع "يس" يدخل فيه من الأقوال ما تقدم في الحروف المقطعة في أوائل السور، ويختص هذا بأقوال: منها أن قال: إنه اسم من أسماء سعيد بن جبير محمد صلى الله عليه وسلم، دليله إنك لمن المرسلين ، وقال السيد الحميري:
يا نفس لا تمحضي بالنصح مجتهدا ... على المودة إلا آل ياسينا
وقال رضي الله عنهما: معناه: "يا إنسان" بالحبشية، وقال أيضا في ابن عباس : هو بلغة طيء، يقولون: "إيسان" بمعنى إنسان، ويجمعونه على "أياسين"، فهذا منه. وقالت فرقة: الياء حرف نداء، والسين مقامة مقام "إنسان" انتزع منه حرف فأقيم مقامه. ومن قال "هو اسم من أسماء السورة أوالقرآن" فذلك مشترك في جميع السور. الثعلبي
[ ص: 233 ] وقرأ الجمهور: "يس" بسكون النون وإظهارها، وإن كانت النون ساكنة تخفى مع حروف الفم فإنما هذا مع الانفصال وأن حق هذه الحروف المقطعة في الأوائل أن تظهر. وقرأ ، عاصم - بخلاف عنهما - بإدغام النون في الواو على عرف الاتصال، وقرأ ابن وابن عامر أبي إسحاق - بخلاف - بنصب النون، وهي قراءة ، ورواها عن عيسى بن عمر الغنوي. وقال : "يس" قسم، وقال قتادة : قياس هذا القول نصب النون، كما تقول: الله لأفعلن كذا، وقرأ أبو حاتم بضمها وقال: هي بلغة طيء: يا إنسان، وقرأ الكلبي أبو السماك، وعن ابن أبي إسحاق - بخلاف - بكسرها، وهذه الوجوه الثلاثة هي للالتقاء، وقال أبو الفتح: ويحتمل الرفع أن يكون اجتزاء بالسين من يا إنسان، وقال : النصب كأنه قال: اتل يس، وهو مذهب الزجاج على أنه اسم للسورة. و"يس" مشبهة الجملة من الكلام فلذلك عدت آية، بخلاف [طس]، فلم تنصرف [يس] للعجمة والتعريف. سيبويه
و"الحكيم": المحكم، فيكون بمعنى: مفعول، أي أحكم في مواعظه وأوامره ونواهيه، ويحتمل أن يكون الحكيم بناء فاعل، أي ذو الحكمة.
وقوله تعالى: على صراط مستقيم يجوز أن تكون جملة في موضع رفع على أنها [ ص: 234 ] خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنها في موضع حال من "المرسلين"، و "الصراط": الطريق، والمعنى: على طريق وهدى ومهيع رشاد.
وقرأ ، ابن كثير ، ونافع : "تنزيل" بالرفع على خبر الابتداء، وهي قراءة وأبو عمرو ، أبي جعفر وشيبة ، ، والحسن ، والأعرج . وقرأ والأعمش ، ابن عامر ، وحمزة : "تنزيل" بالنصب على المصدر، واختلف عن والكسائي ، وهي قراءة عاصم ، طلحة والأشهب، ، وعيسى بن عمر ، بخلاف عنهما. والأعمش
قوله تعالى: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ، اختلف المفسرون في "ما"، فقال "ما" بمعنى الذي، والتقدير: الشيء الذي أنذره الآباء من النار والعذاب، ويحتمل أن تكون "ما" مصدرية، أي ما أنذر آباؤهم، والآباء على هذا هم الأقدمون على مر الدهر، وقوله: "فهم" - مع هذا التأويل - بمعنى: فإنهم، دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة. وقال عكرمة : "ما" نافية، أي إن آباءهم لم ينذروا، فالآباء - على هذا - هم القريبون منهم، وهذه الآية كقوله سبحانه: قتادة وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ، وهذه النذارة المنفية هي نذارة المباشرة والأمر والنهي، وإلا فدعوة الله تعالى من الأرض لم تنقطع قط، وقوله: "فهم" - على هذا - الفاء واصلة بين الجملتين ورابطة للثانية بالأولى.
و حق القول معناه: وجب العذاب وسبق القضاء به، هذا فيمن لم يؤمن من قريش، كمن قتل ببدر وغيرهم.