فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين
"راغ" معناه: مال، ومنه قول : عدي بن زيد
حيث لا ينفع الرياغ ولا ين... فع إلا المصادق النحرير
وقوله تعالى: ألا تأكلون هو على جهة الاستهزاء بعبدة تلك الأصنام، وروي أن عادة أولئك كانت أنهم يتركون الطعام في بيوت الأصنام، ويعتقدون أنها تصيب منه شميما، ونحو هذا من المعتقدات الباطلة، ثم كان خدم البيت يأكلونه. فلما دخل إبراهيم عليه [ ص: 298 ] السلام وقف على الأكل، والنطق والمخاطبة للأصنام والقصد الاستهزاء بعابديها، ثم مال عند ذلك إلى ضرب تلك الأصنام بفأس حتى جعلها جذاذا.
واختلف في معنى قوله: "باليمين"، فقال رضي الله عنهما: يمنى يديه، وقيل: أراد: بقوته; لأنه كان يجمع يديه بالفأس، وقيل: أراد يمين القسم في قوله: ابن عباس وتالله لأكيدن أصنامكم ، و"ضربا" نصب على المصدر بفعل مضمر من لفظه، وفي مصحف : [صفقا باليمين]. عبد الله
والضمير في قوله: (أقبلوا) لكفار قومه، وقرأ الجمهور: "يزفون" بفتح الياء، من: زف إذا أسرع، وزفت الإبل إذا أسرعت، ومنه قول : الفرزدق
فجاء قريع الشول قبل إفالها ... يزف وجاءت خلفه وهي زفف
ومنه قول الهذلي :
وزفت الشول من برد العشي كما ... زف النعام إلى حفانه الروح
[ ص: 299 ] وقرأ وحده: "يزفون" بضم الياء، من: أزف إذا دخل في الزفيف، وليست بهمزة تعدية، هذا قول، وقال حمزة : معناها: يحملون غيرهم على الزفيف، وحكاه عن أبو علي ، وهي قراءة الأصمعي ، مجاهد ، وابن وثاب . وقرأ والأعمش ، مجاهد وعبد الله بن زيد، "يزفون" بفتح الياء وتخفيف الفاء من: وزف يزف، وهي لغة منكرة، قال : الكسائي لا نعرفها بمعنى: زف، وقال والفراء : الوزيف: السيلان. مجاهد
وذهبت فرقة إلى أن "يزفون" معناه: يتمهلون في مشيهم كزفاف العروس، والمعنى أنهم كانوا على طمأنينة من أن ينال أحد آلهتهم بسوء لعزتهم، فكانوا لذلك متمهلين. وزف بمعنى أسرع هو المعروف.
ثم إن إبراهيم عليه السلام قال لهم في جملة محاورة طويلة قد تضمنتها الآية: أتعبدون ما تنحتون ، أي: تجعلون إلها معظما شيئا صنعتموه من عود أو حجر، وعملتموه بأيديكم؟ أخبرهم بخبر لا يمكنهم إنكاره وهو قوله: والله خلقكم ، واختلف المتأولون في قوله: وما تعملون ، فمذهب جماعة من المفسرين أن "ما" مصدرية، والمعنى: وأعمالكم، وهذه الآية عندهم قاعدة في خلق أفعال العباد، وذلك موافق لمذهب أهل السنة في ذلك. وقالت فرقة: هي بمعنى الذي، وقالت فرقة: "ما" استفهام، وقالت فرقة: هي نفي، بمعنى: وأنتم لا تعملون شيئا في وقت خلقكم ولا قبله، ولا تقدرون على شيء، والمعتزلة مضطرة إلى الزوال عن أن تجعل "ما" مصدرية.
و"البنيان" قيل: كان في موضع إيقاد النار، وقيل: بل كان للمنجنيق الذي رمي عنه، وقد تقدم قصص نار إبراهيم عليه السلام، وجعلهم الله الأسفلين بأن غلبوا وذلوا ونالتهم العقوبات.