خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون
النفس الواحدة المرادة في الآية هي نفس آدم عليه السلام، قاله ، وغيره، ويحتمل أن يكون اسم الجنس. وقوله تعالى: قتادة ثم جعل منها زوجها ظاهر اللفظ يقتضي أن جعل الزوجة من النفس هو بعد أن خلق الخلق منها، وليس الأمر كذلك، واختلف الناس في تأويل هذا الظاهر، فقالت فرقة: قوله: خلقكم من نفس واحدة هو أخذ الذرية من ظهر آدم، وذلك شيء كان قبل خلق حواء منه، وقالت فرقة: "ثم" إنما هي لترتيب الأخبار لا لترتيب المعاني، كأنه تعالى قال: "ثم كان من أمره قبل ذلك أن جعل منها زوجها"، وفي نحو هذا المعنى ينشد هذا البيت :
[ ص: 373 ]
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده
وقالت فرقة: قوله تعالى: خلقكم من نفس واحدة عبارة عن سبق ذلك في علم الله تعالى، فلما كان ذلك أمرا حتما واقعا ولابد، حسن أن يخبر عن تلك الحال التي كانت وثيقة، ثم عطف عليها حالة جعل الزوجة منها، فجاءت معان مترتبة وإن كان خروج خلق العالم منآدم إلى الوجود إنما يجيء بعد ذلك.
و"زوج آدم" حواء عليهما السلام، وخلقت من ضلعه القصير فيما روي، ويؤيد هذا الحديث الذي فيه: وقالت فرقة: خلقت "إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمه كسرته"، حواء من نفس طين آدم عليه السلام. والأول أصح، وقد تقدم شرح ذلك.
وقوله تعالى: وأنزل لكم ، قيل: معناه: أن المخلوق الأول من هذه الأنعام خلق في السماء وأهبط إلى الأرض، وقالت فرقة: بل لما نزل الأمر بخلقه وإيجاده من عند الله - وكانت العادة في نعم الله ورحمته وأمطاره وغير ذلك أن يقال: إنها من السماء - عبر عن هذه بـ"أنزل"، وقالت فرقة: لما كانت الأمطار تنزل، وكانت الأعشاب والنبات عنها كانت هذه الأنعام عن النبات في سمتها ومعانيها قال فيها: "أنزل" فهو على التدريج، كما قال الراجز:
أسنمة الآبال في ربابه
[ ص: 374 ] وكما قال الشاعر :
تعالى الندى في متنه وتحدرا
وجعلها ثمانية، لأن كل واحد فيه زوج للذكر من نوعه، وهي: الضأن والمعز والبقر والإبل.
وقوله تعالى: يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ، قال ، معناه: يخلقكم في البطون خلقا من بعد خلق آخر في ظهر آدم وظهور الآباء، وقال ابن زيد ، مجاهد ، وعكرمة : يخلقكم في البطون رتبا خلقا من بعد خلق على المضغة والعلقة وغير ذلك. والسدي
وقرأ ، عيسى بن عمر : "يخلقكم" بإدغام القاف في الكاف في جميع القرآن. وقرأ الجمهور: وطلحة بن مصرف "أمهاتكم" بضم الهمزة، وكسرها ، وهما لغتان. وقوله: يحيى بن وثاب في ظلمات ثلاث قالت فرقة: الأولى: هي ظهر الأب، ثم رحم الأم، ثم المشيمة في البطن. وقال ، مجاهد ، وقتادة ، والسدي : هي المشيمة والرحم، والبطن، وهذه الآيات كلها هي معتبر وتنبيه لهم على الخالق الصانع الذي لا يستحق العبادة غيره، وهذا كله في رد أمر الأصنام والإفساد لها. ثم قال تعالى لهم: وابن زيد ذلكم الله ربكم ، وقد قامت على ذلك البراهين واتسقت الأدلة. فأنى تصرفون ، أي: من أي جهة تضلون؟ وبأي سبب؟