قوله عز وجل:
فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون
هذه حجة تلزم عباد الأوثان التناقض في أعمالهم، وذلك أنهم يعبدون الأوثان ويعتقدون تعظيمها، فإذا أزفت آزفة أو نالت شدة نبذوها ونسوها ودعوا الخالق المخترع رب السماوات والأرض، و"الإنسان" في هذه الآية للجنس، و"خولناه" معناه: ملكناه، قال وغيره: التخويل: العطاء عن غير مجازاة، و"النعمة" هنا عام في جميع ما يسديه الله إلى العبد، فمن ذلك إزالة الضر المذكور، ومن ذلك الصحة والأمن والمال، وتقوى الإشارة إليه في الآية بقوله: الزجاج إنما أوتيته على علم ، وبقوله تعالى أخيرا: يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وبذكر الكسب.
وذكر تعالى الضمير في قوله: "أوتيته"، وذلك يحتمل وجوها: منها أن يريد بالنعمة المال كما قدمناه، ومنها أن يعيد الضمير على المذكور، إذ اسم النعمة يعم ما هو مذكر ويعم ماهو مؤنث، ومنها أن يكون (ما) في قوله: "إنما" بمعنى "الذي"، وعلى [ ص: 402 ] الوجهين الأولين [ما] كافة، وقوله: على علم في موضع نصب على الحال، مع أن تكون "ما" كافة، وأما إذا كانت بمعنى الذي، فإن "على علم "في موضع خبر [إن]، ودال على الخبر المحذوف، كأنه قال: هو على علم،وقوله "على علم " يحتمل أن يريد على علم مني بوجه المكاسب والتجارات وغير ذلك، قاله ، ففي هذا التأويل إعجاب بالنفس وتعاط مفرط، ونحو هذا، ويحتمل أن يريد على علم من الله في، وشيء سبق لي، واستحقاق حزته عند الله تعالى، لا يضرني معه شيء، وفي هذا التأويل اغترار بالله تبارك وتعالى وعجز وتمن على الله تعالى. ثم قال تعالى: قتادة بل هي فتنة ، أي: ليس الأمر كما قال، بل هذه الغفلة به فتنة له وابتلاء.
ثم أخبر تعالى عمن سلف من الكفرة أنهم قد قالوا نحو هذه المقالة، كقارون وغيره، وأنهم ما أغنى عنهم كسبهم واحتجابهم للأموال، فكذلك لا يغني عن هؤلاء.
ثم ذكر تعالى - على جهة التوعد لهؤلاء في نفس المثال - أن أولئك أصابهم سيئات ما كسبوا، وأن الذين ظلموا بالكفر من هؤلاء المعاصرين لك سيصيبهم ما أصاب المتقدمين، وهذا خبر من الله تعالى أبرزه الوجود في يوم بدر وغيره، و"معجزين" معناه: مفلتين وناجين بأنفسهم.
ثم قرر تعالى على الحقيقة في أمر الكسب وسعة النعم فقال: أولم يعلموا أن الله هو الذي يبسط الرزق لقوم ويضيقه على قوم بمشيئته وسابق علمه، وليس ذلك لكيس أحد ولا لعجزه، "ويقدر" معناه: يضيق، كما قال تعالى: فقدر عليه رزقه .