قوله عز وجل:
وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين
ذكر الله تعالى حالة المتقين ونجاتهم ليعادل بذلك ما تقدم من ذكر الكفرة، وفي ذلك ترغيب في حالة المتقين; لأن الأشياء تتبين بأضدادها. وقرأ جمهور القراء: [بمفازتهم] وذلك على اسم الجنس، وهو مصدر من الفوز، وقرأ ، حمزة ، والكسائي وأبو بكر عن : [بمفازاتهم] على الجمع، من حيث النجاة لأنواع، ولأسباب مختلفة، وهي قراءة عاصم الحسن، ، والأعرج وأبي عبد الرحمن ، . وفي الكلام حذف مضاف تقديره: وينجي الله الذين اتقوا بأسباب أو بدواعي مفازتهم. قال والأعمش : "بمفازتهم" بفضائلهم، وقال السدي : بأعمالهم. ابن زيد
وقوله تعالى: الله خالق كل شيء كلام مستأنف دال على الوحدانية، وهو عموم معناه الخصوص، و"الوكيل": القائم على الأمر، الزعيم بإكماله وتتميمه.
و"المقاليد": المفاتيح، وقاله رضي الله عنهما، واحدها: مقلاد، مثل مفتاح، وفي كتاب ابن عباس : واحد المقاليد: إقليد، وهذه استعارة، كما تقول: بيدك يا فلان مفتاح هذا الأمر; إذا كان قديرا على السعي فيه، وقال الزهراوي : المقاليد: الخزائن. السدي
[ ص: 409 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه عبارة غير جيدة، ويشبه أن يقول قائل: المقاليد إشارة إلى الخزائن أو دالة عليها فيسوغ هذا القول، كما أن الخزائن أيضا في جهة الله إنما تجيء استعارة، بمعنى: اتساع قدرته، وأنه يبتدع ويخترع، ويشبه أن يقال فيما قد أوجد من المخلوقات كالماء والنار وغير ذلك: إنها في خزائنه سبحانه، وهذا كله تجوز على جهة التقريب والتفهيم للسامعين، وقد ورد القرآن بذكر الخزائن، ووقعت في الحديث الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم: والحقيقة في هذا غير بعيدة، لكنه ليس باختزان حاجة ولا قلة قدرة كما هو اختزان البشر. "وما فتح الليلة من الخزائن"، رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقاليد السماوات والأرض فقال: "لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير". عثمان وقال
[ ص: 410 ] وقوله: "أفغير" منصوب بـ"أعبد"، كأنه قال: أفغير الله أعبد فيما تأمروني؟ ويجوز أن يكون نصبه بـ"تأمروني" على إسقاط "أن"، تقديره أفغير الله تأمروني أن أعبد. وقرأت فرقة: [تأمرونني] بنونين، وهذا هو الأصل، وقرأ : بنون مشددة مكسورة وياء مفتوحة. وقرأ ابن كثير بنون خفيفة مكسورة وياء ساكنة، وهذا على حذف النون الواحدة، وهي الموطئة لياء المتكلم، ولا يجوز حذف النون الأولى، وهو لحن لأنها علامة رفع الفعل، وفتح ابن عامر الياء على الحذف فقرأ: "تأمروني"، وقرأ الباقون بشد النون وبسكون الياء. نافع
وقوله تعالى: ولقد أوحي إليك الآية، قالت فرقة: في الآية تقديم وتأخير، كأنه قال: "ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك"، وقالت فرقة: الآية على وجهها، المعنى: ولقد أوحي إلى كل نبي لئن أشركت ليحبطن عملك، و"حبط": معناه: بطل وسقط. وبهذه الآية بطلت من صلاته وحجه وغير ذلك. أعمال المرتد