فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون
ذكر الله تبارك وتعالى حال الطائفتين من المؤمنين والكافرين، وقرن بينهم في الذكر ليبين الأمر في نفس السامع، فإن الأشياء تتبين بذكر أضدادها معها، والفوز: هو نيل البغية.
وقوله تعالى: وأما الذين كفروا أفلم تكن [فيه محذوف] فإن التقدير فيه: وأما الذين كفروا فيقال لهم: ألم تكن ... ، فحذف "يقال لهم" اختصارا وبقيت الفاء دالة [ ص: 606 ] على الجواب الذي تطلبه "أما"، ثم قدم عليها ألف الاستفهام من حيث له صدر القول على كل حالة، ووقف الله تعالى الكفار على الاستكبار; لأنه من شر الخلال.
وقرأ وحده: "والساعة" بالنصب عطفا على قوله تعالى: حمزة وعد الله ، ورويت عن ، أبي عمرو ، وعيسى ، وقرأ والأعمش : "حق وإن الساعة لا ريب فيها" ، وكذلك قرأ أيضا ابن مسعود . وقرأ الباقون: "والساعة" رفعا، ولذلك وجهان: أحدهما الابتداء والاستئناف، والثاني: العطف على موضع "إن" وما عملت فيه، لأن التقدير: "وعد الله حق"، قاله الأعمش في الحجة، وقال بعض النحاة: لا يعطف على موضع "إن"، إلا إذا كان العامل الذي عطلته إن باقيا، وكذلك هي على موضع الباء في قوله: أبو علي
.................................. ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فلما كانت "ليس" نافية جاز العطف على الموضع قبل دخول الباء، ويظهر نحو هذا النظر من كتاب ، ولكن قد ذكرنا ما حكى سيبويه وهو القدوة، وقولهم: أبو علي إن نظن إلا ظنا معناه: إن نظن بعد قبول خبركم إلا ظنا، وليس يعطينا يقينا.
وقوله تعالى: وبدا لهم الآية ... حكاية حال يوم القيامة، و"حاق": معناه: نزل [ ص: 607 ] وأحاط، وهي مستعملة في المكروه، وفي قوله تعالى: "ما كانوا" حذف مضاف تقديره: جزاء ما كانوا، أي: عقاب كونهم يستهزءون.