قوله تعالى: فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم . قوله: "بإذن أهلهن" معناه: بولاية أربابهن المالكين، وقوله: وآتوهن أجورهن يعني: مهورهن، قاله وغيره: و"بالمعروف" معناه: بالشرع والسنة، وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة. وهو مذهب ابن زيد قال في كتاب الرهون: ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز، قال مالك، في كتاب المدونة: كيف هذا وهو لا يبوئه معها بيتا؟ وقال بعض الفقهاء: معنى ما في "المدونة": أنه بشرط التبوئة، فعلى هذا لا يكون قول سحنون خلافا. سحنون
و"محصنات" وما بعده: حال، فالظاهر أنه بمعنى عفيفات، إذ غير ذلك من وجوه الإحصان بعيد إلا "مسلمات" فإنه يقرب، والعامل في الحال "فانكحوهن"، ويحتمل أن يكون "فانكحوهن بإذن أهلهن" كلاما تاما، ثم استأنف: وآتوهن أجورهن مزوجات غير مسافحات فيكون العامل: "وآتوهن"، ويكون معنى الإحصان: التزويج.
والمسافحات من الزواني: المبتذلات اللواتي هن سوق للزنى. ومتخذات الأخدان: هن المتسترات اللواتي يصحبن واحدا واحدا ويزنين خفية. وهذان كانا نوعين في زنا الجاهلية، قاله ابن عباس، وعامر الشعبي، [ ص: 523 ] وغيرهم، وأيضا فهو تقسيم عقلي لا يعطي الوجود، إلا أن تكون الزانية: إما لا ترد يد لامس، وإما أن تختص من تقتصر عليه. والضحاك،
وقوله تعالى: " فإذا أحصن الآية، قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، "أحصن" على بناء الفعل للمفعول، وقرأ وابن عامر: حمزة، على بناء الفعل للفاعل، واختلف عن والكسائي فوجه الكلام أن تكون القراءة الأولى بالتزوج، والثانية بالإسلام أو غيره مما هو من فعلهن، ولكن يدخل كل معنى منهما على الآخر. واختلف المتأولون فيما هو الإحصان هنا، فقال الجمهور: هو الإسلام، فإذا زنت الأمة المسلمة حدت نصف حد الحرة، وإسلامها هو إحصانها الذي في الآية، وقالت فرقة: إحصانها الذي في الآية هو التزويج لحر، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها، قاله عاصم، سعيد بن جبير، والحسن، وقالت فرقة: الإحصان في الآية التزوج، إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة بالسنة، وهي الحديث الصحيح في وقتادة. مسلم والبخاري "أنه قيل: يا رسول الله، الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ فأوجب عليها الحد".
قال فالمتزوجة محدودة بالقرآن، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث. الزهري:
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا الحديث والسؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا من القرآن أن معنى "أحصن" تزوجن، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يقتضي تقرير المعنى، ومن أراد أن [ ص: 524 ] يضعف قول من قال: "إنه الإسلام" -بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت وتقررت- فذلك غير لازم، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد، فإذا كن على هذه الحالة المتقدمة من الإيمان فإن أتين بفاحشة فعليهن، وذلك سائغ صحيح.
والفاحشة هنا: الزنى بقرينة إلزام الحد، و"المحصنات" -في هذه الآية-: الحرائر، إذ هي الصفة المشروطة في الحد الكامل، والرجم لا يتنصف، فلم يرد في الآية بإجماع، ثم اختلف، فقال والجمهور: على الأمة نصف المائة لا غير ذلك، وقال ابن عباس وجماعة من التابعين: على الأمة نصف المائة ونصف المدة، وهي نفي ستة أشهر، والإشارة بـ "ذلك" إلى نكاح الأمة. الطبري
والعنت في اللغة: المشقة. وقالت طائفة: المقصد به هاهنا الزنى، قاله وقال مجاهد، ما ازلحف ناكح الأمة عن الزنى إلا قريبا، قال: والعنت الزنى، وقاله ابن عباس: عطية الحوفي، وقالت طائفة: الإثم، وقالت طائفة: الحد. والضحاك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والآية تحتمل ذلك كله، وكل ما يعنت عاجلا وآجلا.
وقوله تعالى: وأن تصبروا خير لكم يعني عن نكاح الإماء. قاله سعيد بن جبير، ومجاهد، والسدي، رضي الله عنهما، وهذا ندب إلى الترك، وعلته ما يؤدي إليه نكاح الإماء من استرقاق الولد ومهنتهن. وهذه الجملة ابتداء وخبر تقديره: وصبركم خير لكم. "والله غفور" أي: لمن فعل وتزوج. وابن عباس