قوله تعالى:
فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا
هذا أمر من الله عز وجل للمؤمنين الذين وصفهم بالجهاد في سبيل الله.
و"يشرون" معناه: يبيعون في هذا الموضع، وإن جاء في مواضع: يشترون، فالمعنى هاهنا يدل على أنه بمعنى: يبيعون.
ثم وصف الله ثواب المقاتل في سبيل الله، فذكر غايتي حالتيه، واكتفى بالغايتين عما بينهما، وذلك أن غاية المغلوب في القتال أن يقتل، وغاية الذي يقتل ويغنم أن يتصف بأنه غالب على الإطلاق. والأجر العظيم: الجنة، وقالت فرقة: "فليقاتل" بسكون لام الأمر، وقرأت فرقة "فليقاتل" بكسرها، وقرأ "فيقتل أو يغلب" على بناء الفعلين للفاعل، وقرأ الجمهور: "نؤتيه" بالنون، وقرأ محارب بن دثار الأعمش "فسوف يؤتيه" بالياء. وطلحة بن مصرف:
وقوله تعالى: "وما لكم" اللام متعلقة بما يتعلق بالمستفهم عنه من معنى الفعل، تقديره: وأي شيء موجود أو كائن أو نحو ذلك لكم؟ و"لا تقاتلون" في موضع نصب على الحال تقديره: تاركين، أو مضيعين. وقوله: "والمستضعفين" عطف على اسم الله تعالى، أي: وفي سبيل المستضعفين، وقيل: عطف على السبيل، أي: وفي [ ص: 603 ] المستضعفين لاستنقاذهم، ويعني بالمستضعفين من بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم لا يستطيعون خروجا، ولا يطيب لهم -على الأذى- إقامة، وفي هؤلاء سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين". كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أنج
"والولدان" بابه أن يكون جمع وليد، وقد يكون جمع ولد كورل وورلان، فهي على الوجهين عبارة عن الصبيان، والقرية هاهنا- مكة بإجماع من المتأولين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والآية تتناول المؤمنين والأسرى وحواضر الشرك إلى يوم القيامة، ووحد الظالم لأنه موضع اتخاذ الفعل، ألا ترى أن الفعل إنما تقديره: الذي ظلم أهلها، ولما لم يكن للمستضعفين حيلة إلا الدعاء دعوا في الاستنقاذ، وفيما يواليهم من معونة الله تعالى، وما ينصرهم على أولئك الظلمة من فتح الله تبارك وتعالى.