ولما كان الجواب قطعا: أنت الفاعل لذلك وحدك؟ [قال] موضحا لأنه ما زرعه غيره بأن الفاعل الكامل من يدفع عما صنعه ما [ ص: 224 ] يفسده، ومن إذا أراد إفساده لم يقدر أحد على منعه لو نشاء أي لو عاملناكم بصفة العظمة، وأكد لأن فعلهم فعل الآمن [من] ذلك مع أنهم في غاية الاستبعاد لأن يهلك زرعهم كما زرعوه أو لأن المطعوم أهم من المشروب وأعظم، فإنه الأصل في إقامة البدن والمشروب تبع له فقال: لجعلناه أي بتلك العظمة حطاما أي مكسرا مفتتا لا حب فيه قبل النبات حتى لا يقبل الخروج أو بعده ببرد مفرط أو حر مهلك أو غير ذلك فلا ينتفع به فظلتم أي: فأقمتم بسبب ذلك نهارا في وقت الأشغال العظيمة وفي كل وقت وتركتم كل ما يهمكم تفكهون قال في القاموس: فكههم بملح الكلام: أطرفهم بها وفكه - كفرح فكها فهو فكه وفاكه-: طيب النفس أو يحدث صحبه فيضحكهم ومنه تعجب كتفكه، والتفاكه: التمازح، وتفكه: تندم: والأفكوكة: الأعجوبة، وقال : الفكه هو المتردد في القول الذاهب فيه كل مذهب - انتهى. ابن برجان
فأقمتم دائما تندمون على إلعاقكم أو معاصيكم التي سببت ذلك التلف أو تتعجبون أو تحدثون في ذلك ولم تعرجوا على شغل غيره كما تفعلون عند الأشياء السارة التي هي في غاية الإعجاب والملاحة والملاءمة، ولهذا عبر عما المراد به الإقامة مع الدوام بـ " ظل " الذي معناه أقام نهارا إشارة [إلى ترك الأشغال التي تهم ومحلها النهار ويمنع الإنسان من أكثر ما يهمه من الكلام لهذا النازل الأعظم، وحذف إحدى لامي ظل وتاء التفعل من تفكه إشارة] [ ص: 225 ] إلى ضعف المصابين عن الدفاع في بقائهم وفي كلامهم حال بقائهم الضعيف، وكون المحذوف عين الفعل وهو الوسط، إشارة إلى خلع القلب واختراق الجوف والقهر العظيم، فلا قدرة لأحد منهم على ممانعة هذا النازل بوجه ولا على تبريد ما اعتراه منه من حرارة الصدر وخوف الفقر بغير الشكاية إلى آماله ممن يعلم أنه لا ضر في يده ولا نفع، وربما كان ذلك إشارة إلى [أنه] عادته سبحانه قرب الفرج في شدائد الدنيا ليكون الإنسان متمكنا من الشكر لا عذر له في تركه، ويكون المعنى أنكم مع [كثرة] اعتيادكم للفرج بعد الشدة عن قرب تيأسون أول ما يصدمكم البلاء، فتقبلون على كثرة الشكاية، ولا ينفعكم كثرة التجارب لإدرار النعم أبدا.