الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان قد مر في هذه السورة فضلا عما تقدمها من حكمة هذا القرآن وإعجازه تارة بمطابقته لما نزل بسببه مطابقة تجلو عنه كل إشكال، وتارة بما يشاهد من صدقه فيما أخبر بإتيانه من الأفعال، وأخرى بما يتحدى به من الأقوال، ومرة بنظم كل جملة مع ما تقدمها على ما لم يمكن لبشر مثله في الأحوال إلى غير ذلك من أمور لا يحصرها المقال، ترتب على ذلك قوله مبينا أن سبب افتراق الفريقين في العقبى افتراقهم في [ ص: 462 ] هذا القرآن [في الأولى] تمثيلا للقلوب في قسوتها أو لينها عند سماع القرآن وتخييلا، توبيخا للقاسي ومدحا للعاطف اللين لافتا القول إلى أسلوب العظمة لاقتضاء الحال لها: لو أنـزلنا بعظمتنا التي أبانها هذا الإنزال هذا القرآن أي الجامع لجميع العلوم، الفارق بين كل ملتبس - المبين لجميع الحكم على جبل أي أي جبل كان لرأيته مع صلابته وقوته يا أشرف الخلق [إن لم يتأهل غيرك لمثل تلك الرؤية] خاشعا أي مطمئنا مخبتا على صلابته متذللا باكيا متصدعا أي متشققا غاية التشقق كما تصدع الطور لتجلينا له بما دون ذلك من العظمة التي جلونا كلامنا الشريف لموسى عليه السلام في ملابسها من خشية الله أي من الخوف العظيم ممن له الكمال كله حذرا من أن لا يكون مؤديا ما افترض عليه من تعظيم القرآن عند سماعه فما لابن آدم وقد آتاه الله من العقل ما لم يؤت الجبل يستخف بحقه، ويعرض عما فيه من العبر، وفي الآية مدح للنبي صلى الله عليه وسلم في ثباته لما لا تثبت له الجبال، وذم للمعرضين بكونهم أقسى من الجبال.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير تبكيتا وتوبيخا لمن لم يرق للقرآن ألم يأن [ ص: 463 ] للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق فإنا قد فصلنا لهم الحلال والحرام والأمر والنهي وأوضحنا الحكم ودللنا على المتشابه وقصصنا الأقاصيص بعد جعلهم عقلاء ناطقين، فتلك أقاصيص الماضين لعلهم يعتبرون عطف عليه قوله: وتلك الأمثال أي التي لا يضاد فيها شيء نضربها للناس أي الذين يحتاجونها وهم من فيهم تذبذب واضطراب لعلهم يتفكرون أي لتكون حالهم عند من ينظرهم حال من يرجى تفكره في تلك الأمثال فينفعه ذلك إذا أداه التفكر إلى التذكر فرأى تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم [له] أن كل ما في القرآن من شيء ففيه [مشاهد] منه فتطابق له كتاب الخلق وكتاب الأمر فتخلى عن الشهوات البهيمية فنجا من الحظوظ النفسية فتحلى بالملابس الروحانية فصار بالمجاهدات والمنازلات إلى الصفات الملكية فكان أهلا للمقامات القدسية في الجنان العلية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية