الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التهديد بالفراغ ربما أوهم أنهم الآن معجوز عنهم أو عن بعض أمرهم، بين بخطاب القبض المظهر لمحض الوحدانية أنهم في القبضة، لا فعل لأحد منهم بدليل أنهم لا يصلون إلى جميع مرادهم مما هو في مقدورهم، ولكنه ستر ذلك بالأسباب التي يوجد التقيد بها إسناد الأمور إلى مباشرتها فقال بيانا للمراد بالثقلين: يا معشر أي: يا جماعة فيهم الأهلية والعشرة والتصادق الجن قدمهم لمزيد قوتهم ونفوذهم في المسام وقدرتهم على الخفاء والتشكل في الصور بما ظن أنهم لا يعجزهم شيء والإنس أي: الخواص والمستأنسين والمؤانسين المبني أمرهم على الإقامة والاجتماع.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بان بهذه التسمية المراد بالتثنية، جمع دلالة على كثرتهم فقال: [ ص: 171 ] إن استطعتم [أي] إن وجدت لكم طاعة الكون في أن تنفذوا أي: تسلكوا بأجسامكم وتمضوا من غير مانع يمنعكم من أقطار أي: نواحي السماوات والأرض التي يتخللها القطر لسهولة انفتاحها لشيء تريدونه من هرب من الله من إيقاع الجزاء بينكم، أو عصيان عليه في قبول أحكامه وجري مراداته وأقضيته عليكم من الموت وغيره أو غير ذلك فانفذوا وهذا يدل على أن كل واحدة منها محيطة بالأخرى لأن النفوذ لا يكون حقيقة إلا مع الخرق.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان نفوذهم في حد ذاته ممكنا ولكنه منعهم من ذلك بأنه لم يخلق في أحد منهم قوته ولا سيما وقد منعهم منه يوم القيامة بأمور منها إحداق أهل السماوات السبع [بهم] صفا بعد صف وسرادق النار قد أحاط بالكافرين ولا منفذ لأحد إلا على الصراط ولا يجوزه إلا كل ضامر يخف، أشار إليه بقوله مستأنفا: لا تنفذون أي [من] شيء من ذلك إلا بسلطان إلا بتسليط عظيم منه سبحانه بأمر قاهر وقدرة بالغة وأنى لكم بالقدرة على ذلك، قال البغوي: وفي الخبر: يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون: يا معشر الجن الآية - انتهى، وهذا حكاية ما يكون من ذلك يوم القيامة لا أنه خاص بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية