[ ص: 129 ] ( وإذا حضر رجل فادعى اللقطة لم تدفع إليه حتى يقيم البينة . فإن أعطى علامتها حل للملتقط أن يدفعها إليه ولا يجبر على ذلك في القضاء ) . وقال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى : يجبر ، والعلامة مثل أن يسمي وزن الدراهم وعددها ووكاءها ووعاءها . لهما أن صاحب اليد ينازعه في اليد ولا ينازعه في الملك ، فيشترط الوصف لوجود المنازعة من وجه ، ولا تشترط إقامة البينة لعدم المنازعة من وجه .
ولنا أن اليد حق مقصود كالملك فلا يستحق إلا بحجة وهو البينة اعتبارا بالملك إلا أنه يحل له الدفع عند إصابة العلامة لقوله عليه الصلاة والسلام { فإن جاء صاحبها وعرف عفاصها وعددها فادفعها إليه } وهذا للإباحة عملا بالمشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام { البينة على المدعي } الحديث [ ص: 130 ] ويأخذ منه كفيلا إذا كان يدفعه إليه استيثاقا ، وهذا بلا خلاف ، لأنه يأخذ الكفيل لنفسه ، بخلاف التكفيل لوارث غائب عنده . وإذا صدق قيل لا يجبر على الدفع كالوكيل بقبض الوديعة إذا صدقه .
وقيل يجبر لأن المالك هاهنا غير ظاهر والمودع مالك ظاهرا ، [ ص: 131 ] ولا يتصدق باللقطة على غني لأن المأمور به هو التصدق لقوله عليه الصلاة والسلام { فإن لم يأت } يعني صاحبها ، { فليتصدق به } والصدقة لا تكون على غني فأشبه الصدقة المفروضة ( وإن كان الملتقط غنيا لم يجز له أن ينتفع بها ) وقال الشافعي : يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي رضي الله عنه { فإن جاء صاحبها فادفعها إليه وإلا فانتفع بها } وكان من المياسير ، ولأنه إنما يباح للفقير حملا له على رفعها صيانة لها والغني يشاركه فيه .
ولنا مال الغير فلا يباح الانتفاع به إلا برضاه لإطلاق النصوص والإباحة للفقير لما رويناه ، أو بالإجماع فيبقى ما وراءه على الأصل ، والغني محمول على الأخذ لاحتمال افتقاره في مدة التعريف ، والفقير قد يتوانى لاحتمال استغنائه فيها [ ص: 132 ] وانتفاع أبي رضي الله عنه كان بإذن الإمام وهو جائز بإذنه ( وإن كان الملتقط فقيرا فلا بأس بأن ينتفع بها ) لما فيه من تحقيق النظر من الجانبين ولهذا جاز الدفع إلى فقير غيره ( وكذا إذا كان الفقير أباه أو ابنه أو زوجته وإن كان هو غنيا ) لما ذكرنا ، والله أعلم .


