الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 345 ] قال ( ونظر الوكيل كنظر المشتري حتى لا يرده إلا من عيب ، ولا يكون نظر الرسول كنظر المشتري ، [ ص: 346 ] وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا : هما سواء ، وله أن يرده ) قال معناه الوكيل بالقبض ، فأما الوكيل بالشراء فرؤيته تسقط الخيار بالإجماع ، لهما لأنه توكل بالقبض دون إسقاط الخيار فلا يملك ما لم يتوكل به وصار كخيار العيب والشرط والأسقاط قصدا . وله أن القبض نوعان : تام وهو أن يقبضه وهو يراه . وناقص ، وهو أن يقبضه مستورا وهذا ; لأن تمامه بتمام الصفقة ولا تتم مع بقاء خيار الرؤية والموكل ملكه بنوعيه ، فكذا الوكيل . ومتى قبض الموكل وهو يراه سقط الخيار فكذا الوكيل لإطلاق التوكيل . [ ص: 347 ] وإذا قبضه مستورا انتهى التوكيل بالناقص منه فلا يملك إسقاطه قصدا بعد ذلك ، بخلاف خيار العيب ; لأنه لا يمنع تمام الصفقة فيتم القبض مع بقائه ، [ ص: 348 ] وخيار الشرط على هذا الخلاف . ولو سلم فالموكل لا يملك التام منه فإنه لا يسقط بقبضه ; لأن الاختيار وهو المقصود بالخيار يكون بعده ، فكذا لا يملكه وكيله ، وبخلاف الرسول ; لأنه لا يملك شيئا وإنما إليه تبليغ الرسالة ولهذا لا يملك القبض ، والتسليم إذا كان رسولا في البيع .

التالي السابق


( قوله ونظر الوكيل ) إلى المبيع مكشوفا : يعني الوكيل بالقبض كما فسره المصنف ، وهو من يقول له الموكل وكلتك بقبضه أو كن وكيلا عني بقبضه ( كنظر المشتري حتى لا يرده ) المشتري بعد قبض الوكيل ورؤيته ( إلا من عيب ، ولا يكون نظر الرسول كنظر المرسل ) والرسول هو من يقول له المشتري قل لفلان يدفع إليك المبيع أو أنت رسولي إليه في قبضه [ ص: 346 ] أو أرسلتك لقبضه أو أمرتك بقبضه ، وعلى هذا إذا قال اذهب فاقبضه يكون رسولا لا وكيلا ; لأنه من ما صدقات أمرتك ، وقد قيل : لا فرق بين الرسول والوكيل في فصل الأمر بأن قال اقبض المبيع فلا يسقط الخيار .

ومنهم من حكى هذا القول فيما إذا قال أمرتك بمادة ألف ميم راء ( وهذا عند أبي حنيفة ; وقالا : هما ) يعني الرسول والوكيل بالقبض ( سواء ) فيرد الموكل الذي له الخيار ما قبضه وكيله كما يرد ما قبضه رسوله ( فأما الوكيل بالشراء فرؤيته تسقط الخيار بالإجماع . لهما أنه توكل ) أي قبل الوكالة ( بالقبض دون إسقاط الخيار فلا يملك ما لم يتوكل به ) وإذا لم يملكه لا يثبت عن فعله ( وصار كخيار العيب والشرط ) بأن اشترى معيبا لم ير عيبه ثم وكل بقبضه فقبضه لا يسقط خيار الشرط ( و ) صار أيضا ( كالإسقاط قصدا ) بأن قبضه الوكيل بالقبض مستورا ثم رآه فأسقط الخيار قصدا لا يسقط ( وله أن القبض على نوعين ) قبض ( تام ) وهو أن يقبضه وهو يراه .

وإنما كان هذا قبضا تاما ; لأن خيار الرؤية يبطل بهذا القبض وبقاء خيار الرؤية يمنع تمام القبض ، فلما بطل بهذا القبض من المشتري كان هذا القبض تاما ( وناقص وهو أن يقبضه مستورا ) وإذا كان كذلك كان القبض مع الرؤية متضمنا لسقوط خيار الرؤية لاستلزامه تمام الصفقة ولا يتم دونه ( ثم الموكل ملك القبض بنوعيه ، فكذا وكيله لإطلاق التوكيل ) بخلاف [ ص: 347 ] ما إذا أسقط الخيار قصدا بأن قبضه مستورا ثم رآه فأسقط الخيار ; لأن بقبضه ( مستورا انتهى التوكيل ) بالقبض ( الناقص فلا يملك ) الوكيل بعد ذلك ( إسقاطه ) لانتفاء ولايته ، ونقض بمسألتين لم يقم الوكيل مقام الموكل فيهما . إحداهما : أن الوكيل لو رأى قبل القبض لم يسقط برؤيته الخيار ، والموكل لو رأى ولم يقبض يسقط خياره .

والثانية : لو قبضه الموكل مستورا ثم رآه بعد القبض فأبطل الخيار بطل ، والوكيل لو فعل ذلك لم يبطل . وأجيب بأن سقوط الخيار بقبض الوكيل إنما يثبت ضمنا لتمام قبضه بسبب ولايته بالوكالة ، وليس هذا ثابتا في مجرد رؤيته قبل القبض ، ونقول : بل الحكم المذكور للموكل ، وهو سقوط خياره إذا رآه إنما يتأتى على القول بأن مجرد مضي ما يتمكن به من الفسخ بعد الرؤية يسقط الخيار ، وليس هو بالصحيح ، وبعين الجواب الأول يقع الفرق في المسألة الثانية ; لأنه لم يثبت ضمنا للقبض الصحيح ، بل ثبت بعد انتهاء الوكالة بالقبض الناقص .

وقوله ( بخلاف خيار العيب ; لأنه ) يثبت مع ( تمام الصفقة ) ; لأنه لم يشرع لتتميم القبض بل لتسليم الجزء الفائت ضمن القبض مع بقاء الخيار ، ولذا كان له أن يرد المعيب وحده فيما إذا اشترى شيئين . وقوله في الكتاب إلا من عيب . قال فخر الإسلام : يحتمل [ ص: 348 ] إلا من عيب لم يعلمه الوكيل ، فإن كان علمه يجب أن يبطل خيار العيب ، كذا ذكره الفقيه أبو جعفر ، ولم يسلم مسألة خيار العيب . والصواب عندنا أن لا يملك الوكيل بالقبض إبطال خيار العيب فيكون معناه علم أو لم يعلم .

وقوله ( وخيار الشرط على هذا الخلاف إلخ ) يعني وخيار الشرط لا نص فيه ، فلنا أن نمنعه فيكون على الخلاف ذكره القدوري ، وهو رواية الهندواني ; لأن القبض التام لا يحصل بخيار الشرط ; لأن وجوده يجيز الفسخ فلا يتم القبض مع ذلك كخيار الرؤية بعينه ( ولئن سلم ) أنه لا يبطل بالقبض التام وهو الأصح ( فالموكل لا يملك التام منه ) فإذا فرضنا أن التام لا يكون معه خيار الفسخ فلا يملكه الوكيل ( بخلاف الرسول ) بالبيع والشراء ( فإنه لا يملك شيئا ) من القبض لا التام ولا الناقص ; لأنه لم يؤمر بالقبض بل بأداء الرسالة ، ولذا لا يملك التسليم أيضا ، وصور الإرسال في البيع تقدمت أوائل كتاب البيوع ، وصورتها بالشراء أن يقول قل لفلان إني اشتريت منك كذا وكذا بمعين كذا وكذا




الخدمات العلمية