الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا جزية على امرأة ولا صبي ) لأنها وجبت بدلا عن القتل أو عن القتال وهما لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية . قال ( ولا زمن ولا أعمى ) وكذا المفلوج والشيخ الكبير [ ص: 51 ] لما بينا . وعن أبي يوسف أنه تجب إذا كان له مال لأنه يقتل في الجملة إذا كان له رأي ( ولا على فقير غير معتمل ) خلافا للشافعي . له إطلاق حديث معاذ رضي الله عنه . ولنا أن عثمان رضي الله عنه لم يوظفها على فقير غير معتمل وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ، ولأن خراج الأرض لا يوظف على أرض لا طاقة لها فكذا هذا الخرج ، والحديث محمول على المعتمل ( ولا توضع على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد ) لأنه بدل عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا ، وعلى اعتبار الثاني لا تجب فلا تجب بالشك ( ولا يؤدي عنهم مواليهم ) [ ص: 52 ] لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم ( ولا توضع على الرهبان الذين لا يخالطون الناس ) كذا ذكر هاهنا . وذكر محمد عن أبي حنيفة أنه يوضع عليهم إن كانوا يقدرون على العمل ، وهو وقول أبي يوسف . وجه الوضع عليهم أن القدرة على العمل هو الذي ضيعها فصار كتعطيل الأرض الخراجية .

ووجه الوضع عنهم أنه لا قتل عليهم إذا كانوا لا يخالطون الناس ، والجزية في حقهم لإسقاط القتل ، ولا بد أن يكون المعتمل صحيحا ويكتفي بصحته في أكثر السنة .

التالي السابق


( قوله ولا جزية على امرأة وصبي ) وكذا على مجنون بلا خلاف ; لأن الجزية بدل عن قتلهم على قول الشافعي ، أو عن قتالهم نصرة للمسلمين على قولنا ، وهؤلاء ليسوا كذلك ( ولا على أعمى أو زمن ولا المفلوج ) وعن الشافعي تؤخذ منهم لاعتبارها أجرة الدار ( ولا ) تؤخذ ( من الشيخ الكبير ) [ ص: 51 ] الذي لا قدرة له على قتال ولا كسب ( وعن أبي يوسف تؤخذ منه إذا كان له مال ; لأنه يقتل في الجملة إذا كان له رأي ) في الحرب .

وجه الظاهر أنه لا يقتل ولا يقاتل ، وهو المراد بقوله ( لما بينا ) والجزية بدل عنهما ويقال زمن الرجل كعلم يزمن زمانة ( قوله : ولا على فقير غير معتمل ) أي الذي لا يقدر على العمل وإن أحسن حرفة ، وعلى قول الشافعي عليه الجزية في ذمته . ( له إطلاق حديث معاذ رضي الله عنه ) وهو قوله عليه الصلاة والسلام { : خذ من كل حالم } ( ولنا أن عثمان لم يوظف الجزية على فقير غير معتمل ) أراد بعثمان هذا عثمان بن حنيف حين بعثه عمر رضي الله عنه .

وروى ابن زنجويه في كتاب الأموال : حدثنا الهيثم بن عدي عن عمر بن نافع قال : حدثني أبو بكر العبسي صلة بن زفر قال : أبصر عمر شيخا كبيرا من أهل الذمة يسأل ، فقال له ما لك ؟ قال : ليس لي مال ، وإن الجزية تؤخذ مني ، فقال له عمر : ما أنصفناك ، أكلنا شبيبتك ثم نأخذ منك الجزية ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير ( ولأن خراج الأرض كما لا يوظف على أرض لا طاقة لها فكذا خراج الرأس ) بجامع عدم الطاقة ; لحكمة دفع الضرر الدنيوي ( والحديث محمول على المعتمل ) بالمعنى الذي ذكرنا وبتوظيف عمر المقترن بالإجماع جمعا بين الدليلين .

فإن قلت : ما تقدم من توظيف عمر ليس فيه المعتمل . قلنا : قد جاء في بعض طرقه وعلى الفقير المكتسب اثني عشر درهما أخرجه البيهقي . لا يقال : فنفيه عن غير المكتسب بالمفهوم المخالف ولا يقولون به ; لأنا نقول ليس ذلك بلازم بل جاز أن يضاف إلى الأصل وهو عدم التوظيف على من لم يذكر ، ثم إنما توظف على المعتمل إذا كان صحيحا في أكثر السنة ، وإلا فلا جزية عليه ; لأن الإنسان لا يخلو عن قليل مرض فلا يجعل القليل منه عذرا وهو ما نقص عن نصف العام .

( قوله : ولا توضع على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد ; لأنه بدل عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا ) وعلى الاعتبار الأول تجب ; لأن المملوك الحربي يقتل ( وعلى الاعتبار الثاني لا تجب ) ; لأن المملوك عاجز عن النصرة فامتنع الأصل في حقه فامتنع الخلف ; لأن شرطه انتفاء الأصل ، وإمكانه فدار بين الوجوب وعدمه ( فلا تجب بالشك ) والوجه أن يقال : إنها بدل عن القتل في حقهم وعن القتال في حقنا جميعا فلا يتحقق الثاني لما ذكرنا ، فلم يتحقق الموجب لانتفاء الكل بنفي الجزء ، وهذا لما نذكره فيما يلي هذه المسألة ، وإذا كان خلفا عن المجموع فلا يحسن قوله : فلا تجب بالشك بل لا تجب بلا شك ، ثم لا يخفى أنه ذكر أم الولد ليس على ما ينبغي فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء ولعله ابن أم الولد فسقطت لفظة ابن . ( قوله : ولا يؤدي عنهم مواليهم ) يعني لما قلنا لا توضع عليهم جاز أن يقال إنها تؤخذ من مواليهم فيؤدون [ ص: 52 ] عنهم ، فأزال هذا الاحتمال بقوله ولا يؤدي عنهم مواليهم ( لأنهم تحملوا الزيادة ) في الجزية حتى لزمهم جزية الأغنياء ( بسببهم ) فلا يؤخذ منهم عنهم شيء آخر وإلا كانوا ملزمين بجزيتين ، ويقرر بوجه آخر وهم أنهم تحملوا الزيادة بسببهم فكانت الجزية عنه وعنهم معنى شرعا فلا يجب شيء آخر ، وهذا بناء على أن غنى الملاك بهم ; لأنهم مال ويجرون المال بالكسب . ( قوله : ولا توضع على الرهبان ) جمع راهب ، وقد يقال للواحد رهبان أيضا ، وشرط أن لا يخالط الناس ، ومن خالط منهم عليه الجزية .

( هكذا ذكر ) القدوري ( وذكر محمد عن أبي حنيفة أنه توضع عليهم إذا كانوا يقدرون على العمل ، وهو قول أبي يوسف . ووجه الوضع أنه الذي ضيع القدرة على العمل فصار كتعطيل أرض الخراج ) من الزراعة . ( ووجه وضع الجزية عنهم أنه لا قتل عليهم إذا كانوا لا يخالطون الناس والجزية في حقهم لإسقاط القتل ) ولا يخفى أن هذا أصل قول الشافعي على ما تقدم أنها عندنا بدل عن نصرتهم التي فاتت بالكفر وعنده بدل عن القتل ، فأفاد صحة هذا الاعتبار عندنا ولكنه ليس هو المعتبر فقط بل المجموع منه ومن كونه خلفا عن نصرتهم إيانا فمتى تخلف أحدهما انتفى وجوبها . وعن محمد لا جزية على السياحين . قيل يجوز أنه أراد من لا يقدر على العمل منهم فيكون اتفاقا ، ويجوز أن يقول هو من لا يخالط الناس ومن لا يخالط الناس لا يقتل .




الخدمات العلمية