الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 425 ] قال ( ولا يجوز بيع شعر الخنزير ) لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له ، ويجوز الانتفاع به للخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه ، ويوجد مباح الأصل فلا ضرورة إلى البيع ، ولو وقع في الماء القليل أفسده عند أبي يوسف . وعند محمد رحمه الله لا يفسده لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته ولأبي يوسف رحمه الله أن الإطلاق للضرورة فلا يظهر إلا في حالة الاستعمال وحالة الوقوع تغايرها .

التالي السابق


( قوله ولا بيع شعر الخنزير ; لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه إهانة له ) . أورد عليه أنه جعل البيع هنا في لبن المرأة إهانة مانعة من جواز البيع للزوم الإكرام والبيع ينفيه ، وجعله في مسألة بيع الخمر والخنزير إعزازا فبطل للزوم الإهانة شرعا والبيع إعزاز ، وهذا تناقض ، الجواب أن الفعل الواحد قد يكون بالنسبة إلى محل إهانة وبالنسبة إلى آخر إكرام . مثلا : لو أمر السلطان بعض سائسي الدواب أن يلازم الوقوف بالحضرة مع الواقفين كان غاية الإكرام له ، ولو أمر القاضي بذلك كان غاية الإهانة له ، فالخمر والخنزير في غاية الإهانة شرعا ، فلو جعل مبيعا مقابلا ببدل معزوز كالدراهم أو الثياب كان غاية إكرامه والآدمي مكرم شرعا وإن كان كافرا فإيراد العقد عليه وإبداله به وإلحاقه بالجمادات إذلال له . هذا وتعليل المصنف بالنجاسة لمنع البيع يرد عليه بيع السرقين ، فالمعول عليه التعليل بالانتفاع والحاجة إليه مع إمكان وجوده مباح الأصل فلا تنافي ( ثم يجوز الانتفاع به للضرورة ) فإن الخرازين لا يتأتى لهم ذلك العمل بدونه ( و ) هو ( يوجد مباح الأصل فلا حاجة إلى بيعه ) فلم يكن بيعه في محل الضرورة حتى يجوز ، وعلى هذا قال الفقيه أبو الليث : فلو لم يوجد إلا بالشراء جاز شراؤه لشمول الحاجة إليه . وقد قيل أيضا إن الضرورة ليست ثابتة في الخرز به بل يمكن أن يقام بغيره . وقد كان ابن سيرين لا يلبس خفا خرز بشعر الخنزير ، فعلى هذا لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به . وروى أبو يوسف كراهة الانتفاع به ; لأن ذلك العمل يتأتى بدونه كما ذكرنا ، إلا أن يقال : ذلك فرد تحمل مشقة في خاصة نفسه فلا يجوز أن يلزم العموم حرجا مثله ثم ( قال أبو يوسف إنه لو وقع في ماء قليل أفسده ، وعند محمد لا ينجس به ; لأن حل الانتفاع به دليل طهارته ) والصحيح قول أبي يوسف ; لأن حكم الضرورة لا يتعداها وهي في الخرز فتكون بالنسبة إليه فقط كذلك ، وما ذكر في بعض المواضع من جواز صلاة الخرازين مع شعر الخنزير وإن كان أكثر من قدر الدراهم ينبغي أن يتخرج على القول بطهارته في حقهم ، أما على قول أبي يوسف فلا وهو الوجه ، فإن الضرورة لم تدعهم إلى أن يعلق بهم بحيث لا يقدرون على الامتناع عنه ويتجمع على ثيابهم هذا المقدار




الخدمات العلمية