الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
( فصل ) . ومن nindex.php?page=treesubj&link=4790اشترى شيئا مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه [ ص: 511 ] لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما لم يقبض [ ص: 512 ] ولأن فيه غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك .
( قوله ومن nindex.php?page=treesubj&link=4790اشترى شيئا مما ينقل ويحول لم يجز له بيعه حتى يقبضه ) إنما اقتصر على البيع ولم يقل إنه يتصرف [ ص: 511 ] فيه لتكون اتفاقية ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمدا يجيز الهبة والصدقة به قبل القبض ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : يجوز جميع التصرفات من بيع وغيره قبل القبض إلا في الطعام ; لأنه صلى الله عليه وسلم خص الطعام بالنهي في حديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=35700من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه } أخرجه الشيخان ، وفي لفظ " حتى يقبضه " قلنا : قد رواه nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا قال : وأحسب كل شيء مثل الطعام أخرجه عنه أئمة الكتب الستة وعضد قوله ما روى أبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق إلى nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : ابتعت زيتا في السوق ، فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني فيه ربحا حسنا فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي ، فالتفت فإذا nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت رضي الله عنه فقال : لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38011نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم } ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في المستدرك وصححه ، وقال في التنقيح : سنده جيد .
وقال : nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق صرح فيه بالتحديث ، وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي أيضا في سننه الكبرى عن nindex.php?page=showalam&ids=17389يعلى بن حكيم عن nindex.php?page=showalam&ids=17408يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=84267قلت يا رسول الله إني رجل أبتاع هذه البيوع وأبيعها فما يحل لي منها وما يحرم ؟ قال : لا تبيعن شيئا حتى تقبضه } ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وقال : هذا الحديث مشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=17408يوسف بن ماهك عن nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام ليس بينهما ابن عصمة ، والحاصل أن المخرجين منهم من يدخل ابن عصمة بين ابن ماهك وحكيم ، ومنهم من لا ، وابن عصمة ضعيف جدا في قول بعضهم .
قال صاحب التنقيح : قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : عبد الله بن عصمة مجهول ، وصحح الحديث من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17408يوسف بن ماهك نفسه عن nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم ; لأنه صرح في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ بسماعه منه ، والصحيح أن بينهما عبد الله بن عصمة الجشمي حجازي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في الثقات ، وقال عبد الحق : إنه ضعيف ، وتبعه ابن القطان وكلاهما مخطئ ، وقد اشتبه عليهما عبد الله بن عصمة هذا بالنصيبي أو غيره ممن يسمى عبد الله بن عصمة انتهى كلامه ، فالحق أن الحديث حجة والذي قبله كذلك ، والحاجة بعد ذلك إلى دليل التخصيص بغير العقار nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة يذكر هناك [ ص: 512 ] والأحاديث كثيرة في هذا المعنى ، ثم علل الحديث ( لأن فيه غرر انفساخ العقد ) الأول ( على اعتبار هلاك المبيع ) قبل القبض فيتبين حينئذ أنه باع ملك الغير بغير إذنه وذلك مفسد للعقد ، وفي الصحاح أنه صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38603نهى عن بيع الغرر } ، والغرر : ما طوي عنك علمه ، والدليل على اعتبار هذا المعنى أنا رأينا التصرف في إبدال العقود التي لا تنفسخ بالهلاك جائزا فلا يضرها غرر الانفساخ كالتصرف في المهر لها ، وبدل الخلع للزوج والعتق على مال ، وبدل الصلح عن دم العمد قبل القبض جائز إذ كانت لا تنفسخ بالهلاك فظهر أن السبب ما قلنا ، هذا وقد ألحقوا بالبيع غيره فلا تجوز إجارته ولا هبته ولا التصدق به ، خلافا nindex.php?page=showalam&ids=16908لمحمد في الهبة والصدقة .
وكذا إقراضه ورهنه من غير بائعه فلا يجوز شيء من ذلك ، وإذا أجاز nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد هذه التصرفات في المبيع قبل القبض ففي الأجرة قبل قبضها إذا كانت عينا أولى ، فصار الأصل أن كل عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض لم يجز التصرف في ذلك العوض قبل قبضه كالمبيع في البيع والأجرة إذا كانت عينا في الإجارة وبدل الصلح عن الدين إذا كان عينا ، لا يجوز بيع شيء من ذلك ولأن يشرك فيه غيره إلى آخر ما ذكرنا ، وما لا ينفسخ بهلاك العوض فالتصرف فيه قبل القبض جائز ، كالمهر إذا كان عينا وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد كل ذلك إذا كان عينا يجوز بيعه وهبته وإجارته قبل قبضه وسائر التصرفات في قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، ولو أوصى به قبل القبض ثم مات قبل القبض صحت الوصية بالإجماع ; لأن الوصية أخت الميراث ، ولو مات قبل القبض ورث عنه ، فكذا إذا أوصى به ، ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة والصدقة والرهن والقرض فهو جائز في المبيع قبل القبض إذا سلطه على قبضه فقبضه ، ووجهه أن تمام هذا العقد لا يكون إلا بالقبض والمانع زائل عند ذلك ، بخلاف البيع والإجارة فإنه يلزم بنفسه وقاسه بهبة الدين لغير من عليه الدين فإنها تجوز إذا سلطه على قبضه إذ لا مانع فإنه يكون نائبا عنه ثم يصير قابضا لنفسه كما لو قال أطعم عن كفارتي جاز ، ويكون الفقير نائبا عنه في القبض ثم قابضا لنفسه [ ص: 513 ] بخلاف البيع ، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف يقول : البيع أسرع نفاذا من الهبة بدليل أن الشيوع فيما يحتمل القسمة يمنع تمام الهبة دون البيع ، وأيضا هذه التصرفات تنبني على الملك وغرر الانفساخ يمنع تمامه فكان قاصرا في حق إطلاق التصرف ، وأما أعتق عن كفارتي فإنه طلب التمليك لا تصرف مبني على الملك القائم .
فإن قيل : لو اعتبر الغرر امتنع بعد القبض أيضا لاحتمال ظهور الاستحقاق ، فالجواب أنه أضعف ; لأن ما يتحقق به بعد القبض يتحقق به قبله ، ويزيد باعتبار الهلاك أيضا فكان أكثر مظانا قبل القبض ، ولأن اعتباره بعده يسد باب البيع ، ولو باعه المشتري من بائعه قبل قبضه لا يجوز ولو وهبه يجوز على اعتباره مجازا عن الإقالة ، فإن قيل : هذا النهي باعتبار أمر مجاور فينبغي أن لا يوجب الفساد كالبيع وقت النداء ، أجيب بأن الغرر في المبيع لا مجاور له ، فإنه باعتبار أنه مملوك أو غير مملوك للمشتري على تقدير الهلاك ، وأورد على التأثير أن بعد تسليم أن البيع ينفسخ بهلاك المبيع قبل القبض : أي امتناع فيه فليكن كذلك ، وغاية الأمر أنه ظهر أن البيع الثاني لم يصح فيترادان ، ومثله واقع في الشفعة والبيع بعد ظهور الاستحقاق .