( لكن يكره ) للمسلم إن لم يخش العنت فيما يظهر كتابية ( حربية ) ولو تسريا في دارهم كما يأتي لئلا يرق ولدها إذا سبيت حاملا فإنها لا تصدق أن حملها من مسلم ، ولأن في الإقامة بدار الحرب تكثير سوادهم ، ومن ثم كرهت مسلمة مقيمة ثم ، كما صرح به في الأم ( وكذا ) تكره ( ذمية على الصحيح ) لئلا تفتنه بفرط ميله إليها ، أو ولده وإن كان الغالب ميل النساء إلى دين أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات ، نعم الكراهة فيها أخف منها في الحربية .
والثاني لا تكره ، لأن الاستفراش إهانة والكافرة جديرة بذلك ، والأوجه كما بحثه الزركشي ندب نكاحها إذا رجي إسلامها كما وقع لعثمان رضي الله عنه أنه نكح نصرانية كلبية فأسلمت وحسن إسلامها ، ومحل كما قاله كراهة الذمية الزركشي إذا وجد مسلمة وإلا فلا كراهة ( والكتابية يهودية أو نصرانية ) لقوله تعالى { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } ( لا متمسكة بالزبور وغيره ) كصحف شيث وإدريس وإبراهيم صلى الله عليهم وعلى نبينا وسلم فلا تحل له وإن أقروا بالجزية سواء أثبت تمسكها بذلك بقولها أم بالتواتر أم بشهادة عدلين أسلما لأنه أوحي إليهم معانيها لا ألفاظها ، أو لكونها حكما ومواعظ لا أحكاما [ ص: 291 ] وشرائع ، وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن فيها نقص الكفر في الحال وغيرها فيه مع ذلك نقص فساد الدين في الأصل ( فإن لم تكن الكتابية ) أي لم يتحقق كونها ( إسرائيلية ) أي من نسل إسرائيل وهو يعقوب صلى الله على نبينا وعليه وسلم ، ومعنى إسرا : عبد ، وإيل : الله بأن عرف أنها غير إسرائيلية ، أو شك أهي إسرائيلية ، أو غيرها ( فالأظهر حلها ) للمسلم ، أو الكتابي ( إن علم ) بالتواتر ، أو شهادة عدلين لا بقول المتعاقدين على المعتمد وإنما قبل ذلك بالنسبة للجزية تغليبا لحقن الدماء ( دخول قومها ) أي أول آبائها ( في ذلك الدين ) أي دين موسى ، أو عيسى صلى الله عليهما وسلم ( قبل نسخه وتحريفه ) ، أو قبل نسخه وبعد تحريفه واجتنبوا المحرف يقينا لتمسكهم به حين كان حقا فالحل لفضيلة الدين وحدها ، ومن ثم سمى صلى الله عليه وسلم هرقل وأصحابه أهل كتاب في كتابه إليه مع أنهم ليسوا إسرائيليين ( وقيل يكفي ) دخولهم بعد تحريفه وإن لم يجتنبوا المحرف إذا كان ( قبل نسخه ) لأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم ولم يجتنبوا ،
والأصح المنع لبطلان فضيلة الدين بتحريفه ، وخرج بعلم ما لو شك هل دخلوا قبل التحريف ، أو بعده ، أو قبل النسخ ، أو بعده ، فلا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم أخذا بالأحوط ، ويقبل ذلك الذي ذكره وذكرناه ما لو دخلوا بعد التحريف ولم يجتنبوا ولو احتمالا ، أو بعد النسخ كمن تهود ، أو تنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ، أو تهود بعد بعثة عيسى بناء على الأصح أنها ناسخة لشريعة موسى صلى الله عليه وسلم ، وقيل إنها مخصصة لقوله تعالى { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } ولا دلالة فيه لاحتماله النسخ أيضا إذ لا يشترط في نسخ الشريعة لما قبلها رفع جميع أحكامها بها ، وقول السبكي : ينبغي الحل ممن علم دخول أول أصولهم وشك هل هو قبل نسخ أو تحريف ، أو بعدهما قال ، وإلا فما من كتابي اليوم لا يعلم أنه إسرائيلي إلا ويحتمل فيه ذلك فيؤدي إلى عدم حل ذبائح أحد منهم اليوم ولا مناكحتهم ، بل ولا في زمن الصحابة كبني قريظة والنضير وقينقاع ، وطلب مني بالشام منعهم من الذبائح فأبيت لأن يدهم على ذبيحتهم دليل شرعي ، ومنعهم قبلي محتسب لفتوى بعضهم ولا بأس بالمنع ، وأما الفتوى به فجهل واشتباه على من أفتى به ا هـ ملخصا ضعيف [ ص: 292 ] مردود ، أما الإسرائيلية يقينا بالتواتر ، أو بقول عدلين لا المتعاقدين كما مر فتحل مطلقا لشرف نسبها ما لم يتيقن دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه لسقوط فضيلته بنسخه ، وهي بعثة عيسى أو نبينا صلى الله عليه وسلم لا بعثة من بين موسى وعيسى لأنهم كلهم أرسلوا بالتوراة والزبور ، وقد مر أنه حكم ومواعظ ، ولا يؤثر تمسكهم هنا بالمحرف قبل النسخ لما ذكر ، وقول الشارح : أما بعد النسخ ببعثة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام فلا تفارق فيه الإسرائيلية غيرها يفهم أن الإسرائيلية لو تهود أول آبائها بعد بعثة عيسى تحل مناكحتها وليس كذلك ، والمراد بأول آبائها أول جد يمكن انتسابها له ولا نظر لمن بعده ، ويعلم مما يأتي من حرمة المتولدة بين من تحل وبين من لا تحل أن المراد بقولهم هنا في الإسرائيلية وغيرها أول آبائها : أي أول المنتقلين منهم ، وأنه يكفي في تحريمها دخول واحد من آبائها بعد النسخ والتحريف على ما مر وإن لم ينتقل أحد منهم لا أنها حينئذ صارت متولدة بين من تحل وتحرم ، وظاهر أنه يكفي هنا بعض آبائها من جهة الأم نظير ما يأتي ثم .