الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2400 21 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن موسى ، عن ابن شهاب قال : حدثني أنس - رضي الله عنه - أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ايذن ، فلنترك لابن أختنا عباس فداءه ، فقال : لا تدعون منه درهما .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه مشتمل على حكم من أحكام الفداء ، وهو أنه لا فرق فيه بين القرابة من ذوي الأرحام ، وبين القرابة من العصبات .

                                                                                                                                                                                  وإسماعيل بن عبد الله هو ابن أبي أويس ، والحديث أخرجه البخاري أيضا ، عن إسماعيل بن عبد الله في الجهاد ، وفي المغازي عن إبراهيم بن المنذر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ايذن " أمر من أذن يأذن ، وأصله ائذن بهمزتين فقلبت الهمزة الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، قوله : " لابن أختنا " بالتاء المثناة من فوق ، والمراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب ، فإن أم العباس هي فتيلة بضم الفاء ، وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف بنت جناب بفتح الجيم والنون ، وهي ليست من الأنصار ، وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم ; لأنها سلمى بنت عمرو بن أحيحة بحاءين مهملتين مصغر ، وهو من بني النجار ، وأصل هذا أن هاشما أبا عبد المطلب لما مر بالمدينة في تجارته إلى الشام نزل على عمرو بن زيد بن لبيد بن حرام بن خداش بن خندف بن عدي بن النجار الخزرجي النجاري ، وكان سيد قومه ، فأعجبته ابنته سلمى فخطبها إلى أبيها فزوجها منه ، واشترط عليه مقامها عنده ، وقيل : بل اشترط عليه أن لا تلد إلا عنده بالمدينة ، فلما رجع من الشام بنى بها وأخذها معه إلى مكة ، ولما خرج في تجارة أخذها معه وهي حبلى ، فتركها بالمدينة ، ودخل الشام فمات بغزة ووضعت سلمى ولدا فسمته شيبة ، فأقام عند أخواله بني عدي بن النجار سبع سنين ، ثم جاء عمه المطلب بن عبد مناف فأخذه خفية من أمه ، فذهب به إلى مكة ، فلما رآه الناس وراءه على الراحلة قالوا : من هذا معك ؟ فقال : عبدي ، ثم جاؤوا فهنوا به ، وجعلوا يقولون له عبد المطلب لذلك ، فغلب عليه ، ولكن اسمه الحقيقي شيبة كما ذكرنا ، وساد في قريش سيادة عظيمة ، وذهب بشرفهم وسيادتهم ، فكان جماع إبراهيم إليه ، وكانت إليه السقاية والرفادة بعد عمه المطلب .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الجوزي : صحف بعض المحدثين الجهلة بالنسب ، فقال : ابن أخينا يعني بكسر الخاء وبعدها ياء آخر الحروف ، وليس هو ابن أخيهم إذ لا نسب بين قريش والأنصار ، قال ابن الجوزي أيضا ، وإنما قالوا : ابن أختنا لتكون المنة عليهم في إطلاقه بخلاف ما لو قالوا : عمك لكانت المنة عليه صلى الله عليه وسلم ، وهذا من قوة الذكاء ، وحسن الأدب ، والخطاب ، قوله : " فقال : لا تدعون " : أي فقال صلى الله عليه وسلم : " لا تتركون منه " : أي من الفداء " درهما " ، واختلف في علة منعه صلى الله عليه وسلم إياهم من ذلك ، فقيل : إنه كان مشركا ولذلك عطف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم ، وأعطاه ما جبر به صدعه ، وقيل : منعهم خشية أن يقع في قلوب بعض المسلمين شيء ، كما منع الأنصار أن يبارزوا عتبة وشيبة والوليد ، وأمر قرناه عليا وحمزة وعبيدة لئلا يبارزهم الأنصار فيصابوا فيقع في نفس بعضهم شيء ، وقيل : كان العباس أسر يوم بدر مع قريش ففاداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأراد الأنصار أن يتركوا له فداءه إكراما لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ثم لقرابتهم منه ، فلم يأذن لهم في ذلك ، ولا أن يحابوه في ذلك ، وكان العباس ذا مال فاستوفيت منه الفدية فصرفت مصرفها في حقوق الغانمين .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية