الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  ذكر هذه الآية الكريمة لاشتمالها على قليل النفقة وكثيرها ; لأن قوله : أموالهم يتناول القليل والكثير وفيها حث على الصدقة مطلقا ، فذكرها يناسب التبويب ، وهذا مثل للمؤمنين الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله عنهم ، والابتغاء : الطلب ، قوله : وتثبيتا عطف على ابتغاء مرضات الله والتقدير : مبتغين ومتثبتين من أنفسهم بالإخلاص ، وذلك ببذل المال الذي هو شقيق الروح ، وبذله أشق شيء على النفس على سائر العبادات الشاقة ، وكأن إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان واليقين ، وقال الزمخشري : ويحتمل أن يكون المعنى : وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه ، وتعضده قراءة مجاهد ( وتثبتا من أنفسهم ) ، وقال الشعبي : تثبيتا من أنفسهم ، أي : تصديقا أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ، وكذا قاله قتادة وأبو صالح وابن زيد ، وقال مجاهد والحسن : أي : يثبتون أين يضعون صدقاتهم ، وقال الحسن : كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت ، فإن كان لله أمضى وإلا ترك ، قوله " الآية " ، أي : إلى آخر الآية ، وهو قوله كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير قوله : كمثل جنة خبر المبتدأ ، أعني : قوله مثل الذين ينفقون أي : كمثل بستان كائن بربوة ، وهي عند الجمهور : المكان المرتفع المستوي من الأرض ، وزاد ابن عباس والضحاك وتجري فيه الأنهار ، قال ابن جرير : وفي الربوة ثلاث لغات من ثلاث قراءات بضم الراء ، وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق وفتحها ، وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ، ويقال : إنها لغة بني تميم وكسر الراء ، ويذكر أنها قراءة ابن عباس ، وإنما سميت بذلك ; لأنها ربت وغلظت من قولهم : ربا الشيء يربو : إذا زاد وانتفخ ، وإنما خص الربوة ; لأن شجرها أزكى وأحسن ثمرا ، قوله : أصابها وابل أي : مطر عظيم القطر شديد ، وهي في محل الجر ; لأنها صفة ربوة ، قوله : فآتت أكلها أي ثمرها ضعفين أي : مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل ، ويقال : أي مضاعفا تحمل من السنة ما يحمل غيرها من السنتين ، قوله : فإن لم يصبها أي : تلك الجنة التي بالربوة وابل فطل أي : فالذي يصيبها طل ، وهو أضعف المطر ، وقال الزجاج : هو المطر الدائم الصغار القطر الذي لا يكاد يسيل منه المثاعب . وقيل : الطل هو الندى ، وقال زيد بن أسلم : هي أرض مصر ، فإن لم يصبها وابل زكت ، وإن أصابها أضعفت ، أي : هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدا ; لأنها إن لم يصبها وابل فطل أيا ما كان ، فهو كفايتها وكذلك عمل المؤمنين لا يبور أبدا ، بل يتقبله الله منه ، ويكثره ، وينميه لكل عامل بحسبه ، ولهذا قال : والله بما تعملون بصير أي : لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء ، قوله : " وإلى قوله : من كل الثمرات إلى آخره ، وهو قوله تعالى : أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات روى ابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : ضرب الله مثلا حسنا وكل أمثاله حسن ، قال : أيود أحدكم إلى آخره ، وقال بعض المفسرين : قوله : أيود أحدكم متصل بقوله : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وإنما قال : جنة من نخيل وأعناب لأن النخيل والأعناب لما كانت من أكرم الشجر وأكثرها منافع خصهما بالذكر ، ولفظ نخيل جمع نادر . وقيل : هو جنس ، وتمام الآية : وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون قال الزمخشري : الهمزة في أيود للإنكار ، قوله : وأصابه الكبر الواو فيه للحال وله ذرية ضعفاء وقرئ ( ضعاف ) قوله : إعصار هو الريح التي تستدير في الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود ، وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغي بها وجه الله ، فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهى الجنان وأجمعها للثمار ، فبلغ الكبر وله أولاد ضعاف ، والجنة معاشهم ومنتعشهم فهلكت بالصاعقة ، قوله : كذلك يبين الله لكم الآيات يعني : كما بين هذه الأمثال لعلكم تتفكرون بهذه الأمثال وتعتبرون بها وتنزلونها على المراد منها ، كما قال تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية