الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  قال الحكم بن موسى : حدثنا يحيى بن حمزة ، عن عبد الرحمن بن جابر أن القاسم بن مخيمرة حدثه قال : حدثني أبو بردة بن أبي موسى رضي الله عنه قال : وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئا ، فلما أفاق قال : أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " والحالقة " وإنما خص الحلق بالذكر وإن كان حديث الباب مشتملا على ثلاثة أشياء لكونه أبشعها في حق النساء .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : الأول الحكم بفتحتين ابن موسى أبو صالح القنطري بفتح القاف وسكون النون الزاهد ، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، الثاني يحيى بن حمزة أبو عبد الرحمن قاضي دمشق ، مات سنة ثمانين ومائة ، الثالث عبد الرحمن بن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي ، مات سنة أربع وخمسين ومائة ، الرابع القاسم بن مخيمرة بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالراء أبو عروة ، الخامس أبو بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر ، وقيل : الحارث ، السادس أبوه أبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه أنه صدر الحديث بقوله : قال الحكم بدون التحديث أو الإخبار ، ووقع في رواية أبي الوقت حدثنا الحكم قال بعضهم : هو وهم فإن الذين جمعوا رجال البخاري في ( صحيحه ) أطبقوا على ترك ذكره في شيوخه ، فدل على أن الصواب رواية الجماعة بصيغة التعليق . قلت : قيل : روي عنه ويؤيده رواية أبي الوقت والدارقطني أيضا ذكر الحكم والقاسم بن مخيمرة فيمن خرج لهما البخاري . وقال ابن التين : إنما لم يسنده البخاري لأنه لا يخرج للقاسم بن مخيمرة ، وزعم بعضهم أنه لا يخرج للحكم أيضا إلا هكذا غير محتج بهما ، وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإفراد في موضعين ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه القول في أربعة مواضع ; لأن في بعض النسخ قال : وقال الحكم أي : قال البخاري : قال الحكم ، وفيه أن الحكم بغدادي ويحيى بن حمزة شامي بيتلهي من أهل بيت لهيا قرية بالقرب من دمشق ، كان قاضيا بدمشق وعبد الرحمن أيضا شامي والقاسم كوفي ، سكن الشام وأبو بردة كوفي ، وفيه رواية الابن عن الأب ، وفيه من هو مذكور باسم جده ، وفيه من هو مذكور بكنيته مختلف في اسمه .

                                                                                                                                                                                  وهذا التعليق وصله مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان فقال [ ص: 93 ] حدثنا الحكم بن موسى القنطري قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن القاسم بن مخيمرة حدثه قال : حدثني أبو بردة بن أبي موسى الحديث . وكذا وصله ابن حبان رضي الله تعالى عنه فقال : أخبرنا أبو يعلى ، حدثنا الحكم إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " وجع أبو موسى " بكسر الجيم أي مرض . قوله : " وجعا " بفتح الجيم أيضا مصدر ، وقد مر الكلام فيه عن قريب ، ويروى " وجعا شديدا " . قوله : " فأغمي عليه " ويروى " فغشي عليه " . قوله : " ورأسه في حجر امرأة " الواو فيه للحال والحجر بفتح الحاء وكسرها ، وقال الجوهري : جمعه حجور . وفي ( المحكم ) حجره وحجره وحجره حضنه ، وفي رواية لمسلم " أغمي على أبي موسى وأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة " وذكر في كتاب النسائي امرأة أبي موسى هي أم عبد الله بنت أبي دومة ، وذكر عمر بن شبة في تاريخ البصرة أن اسمها صفية بنت دمون ، وأنها والدة أبي بردة بن موسى وأن ذلك وقع حيث كان أبو موسى أميرا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إني بريء " وفي رواية الكشميهني " أنا بريء " وكذا في رواية مسلم . قوله : " ممن برئ منه محمد " ويروى " ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأصل البراءة الانفصال وهو يحتمل أن يراد به ظاهره وهو البراءة من فاعل ذلك الفعل ، وقال المهلب : برئ منه أي : أنه لم يرض بفعله فهو منه بريء في وقت ذلك الفعل لا أنه بريء من الإسلام .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من الصالقة " الصالقة والسالقة لغتان هي التي ترفع صوتها عند المصيبة ، وفي ( المحكم ) الصلقة والصلق والصلق الصياح والولولة ، وقد صلقوا وأصلقوا وصوت صلاق ومصلاق شديد . وعن ابن الأعرابي الصلق ضرب الوجه . قوله : " والحالقة " التي تحلق شعرها . قوله : " والشاقة " التي تشق ثيابها عند المصيبة ، وفي رواية لمسلم من طريق أبي صخرة " أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق " أي : حلق شعره وسلق صوته أي : رفعه وخرق ثوبه . وقال النووي : الندب والنياحة ، ولطم الخد ، وشق الجيب ، وخمش الوجه ، ونشر الشعر ، والدعاء بالويل والثبور كلها محرم باتفاق الأصحاب ، ووقع في كلام بعضهم لفظ الكراهة . قلت : هذه كلها حرام عندنا والذي يذكره بالكراهة فمراده كراهة التحريم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية