1170 ص: قال أبو جعفر - رحمه الله -: فلما اختلفت هذه الآثار عن رسول الله -عليه السلام- التي فيها بيان الرفع إلى أي موضع هو ، في الموضع الذي انتهى به، وخرج حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي بدأنا بذكره أن يكون مضادا لها؛ أردنا أن ننظر أي هذين المعنيين أولى أن يقال به؟
فإذا فهد بن سليمان قد حدثنا، قال: ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، قال: ثنا شريك ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأيته يرفع حذاء أذنيه إذا كبر وإذا رفع وإذا سجد، فذكر من هذا ما شاء الله، قال: ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيها، وأشار شريك إلى صدره ".
[ ص: 517 ] فأخبر وائل بن حجر في حديثه هذا أن رفعهم إلى مناكبهم إنما كان لأن أيديهم كانت حينئذ في ثيابهم، وأخبر أنهم كانوا يرفعون إذا كانت أيديهم ليست في ثيابهم إلى حذو آذانهم، فأعلمنا روايتيه كلتيهما، فجعلنا الرفع إذا كانت اليدان في الثياب لعلة البرد إلى منتهى ما استطاع الرفع إليه وهو المنكبان، وإذا كانتا باديتين رفعهما إلى الأذنين كما فعل النبي -عليه السلام-، ولم يجز أن يحمل حديث ابن عمر وما أشبهه مما فيه ذكر رفع اليدين إلى المنكبين كان ذلك واليدان باديتان إذ كان قد يجوز أن يكونا كانتا في الثياب، فيكون ذلك مخالفا لما روى وائل بن حجر فيتضاد الحديثان، ولكنا نجعلهما على الاتفاق فنجعل حديث ابن عمر على أن ذلك كان من النبي -عليه السلام- ويداه في ثوبه - على ما حكى وائل في حديثه - ونجعل ما رواه وائل عن النبي -عليه السلام- لا أنه فعله في غير حال البرد من رفعه يديه إلى أذنيه، فيستحب القول به وترك خلافه.
وأما ما رويناه عن علي -رضي الله عنه - عن النبي -عليه السلام- في ذلك فهو خطأ، وسنبين ذلك في باب رفع اليدين في الركوع إن شاء الله تعالى.
فثبت بتصحيح هذه الآثار ما روى وائل عن النبي -عليه السلام- على ما فصلنا مما فعل في حال البرد وفي غير حال البرد، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن -رضي الله عنهم-.


